بقلم د. محمد السعيد أبوحلاوة
أستاذ الصحة النفسية المساعد (المشارك)، كلية التربية، جامعة دمنهور
الوعي بالذات Self-awareness تعبيرًا لغويًا ومصطلحًا سيكولوجيًا يتعذر حصر مرات تردده على ألسنة الناس على نحو يومي، ويشيع في الذهنية العامة وفي نفس السياق لدى كثيرٍ من المتخصصين في الدراسات النفسية أن ارتفاع مستوى الوعي بالذات يرتبط بصورة إيجابية بالثقة في الذات والتجديد والتعاطف، ويعزز من التواصل الاجتماعي الإيجابي مع الآخرين بل ويعزز في نفس الوقت من قدرات صنع القرار واتخاذه.
ويمثل ما تقدم ملامح جوهرية للشخصية الإيجابية في الحياة، ومع ذلك تتنوع الإجابات عن السؤال المتعلق ب ما المقصود بمصطلح “الوعي بالذات”؟، يوجد للوعي بالذات مصدرين مركزيين لتشكيله بغض النظر عن التباين في الصياغات اللغوية لتعريفه، ويوجد شبه اتفاق على أن الوعي بالذات دالة لخصائص داخلية ومصادر خارجية، فالوعي بالذات مصطلح تصويري لمدى وضوح رؤية الإنسان لذاته (داخلي internal)، وفي نفس الوقت دالة لقدرته على إدراك كيف يراه الآخرون (خارجي external)، ومع ذلك فإن رؤية الآخر لنا تتوقف دلالاتها وتأثيراتها على إدراكنا نحن لها وليس على وجودها في ماهيتها الحقيقية، ومن هنا فإن دقة أو عدم دقة الوعي بالذات ترتبط بسلامة أو عدم سلامة إدراكنا للمصادر الخارجية لتشكيله.
ومن السهل افتراض أن ارتفاع معامل الوعي بالذات ارتكازًا على مصدرٍ من هذين المصدرين يعني بالضرورة دقة أو وضوح دلالات ومضامين المصدر الثاني، ولسوء الحظ فإن الأمر ليس بهذه البساطة، إذ قد تكون رؤية الشخص لذاته ووعيه بها وفقًا لتصوراته الشخصية قائمة على التصوير المثالي المبالغ فيه هنا يتحول الوعي بالذات إلى “توهم الذات” وبناء الوعي بها على التفكير الراغب المفعم بالتمني، أو المبالغة في التصوير السلبي للذات وهنا غرق التهوين من شأن الذات ربما بداعي التواضع ويمثل ذلك نوعًا سفيهًا في واقع الأمر من التوجه لبخس الذات وإهانتها.
من جانب آخر فإن أخطاء القراءة والتأويل لتصورات ورؤى الآخرين عن الذات يمثل مصدرًا من مصادر تشويه صورة الذات؛ وبالتالي تحقق وعيًا مختلاً وظيفيًا بها، وقد يأتي الخطأ في قراءة وتأويل تصورات الآخرين عن الذات من مصادر متنوعة منها الموقف من الذات إيجابيًا أو سلبيًا، التفكير القائم على عزل الوقائع والأحداث عن السياق والمواقف، والاستدعاء الآني للخبرات والوقائع السابقة أو تصور الخبرات والوقائع التالية أو اللاحقة.
وتفيد نتائج دراسات بحثية عديدة أن تأسيس الإنسان لوعيه بذاته بناء على رؤاه وتصوراته الذاتية فقط internal self-awareness يفضي إلى مواجهته لكثير من المتاعب والمشكلات الحياتية لانعزال هذا الوعي عن الوجود الحاضر الماثل في والواقع، وفي نفس الوقت فإن تأسيسه لوعيه بذاته بناء على تصورات الآخرين ورؤاهم له فيه تمييع للذات وتسليمها زمامها إليهم؛ وبالتالي ضياع كل خصوصية تميز وإيجابية وجود.
وعلى ذلك يمكن تحديد مصادر الخطأ في الوعي بالذات × الوجود في ثلاثة عوامل أساسية تتمثل فيما يلي:
1- الثقة الزائدة Over-confidence:
من المفارقات الغريبة ما توصلت إليه نتائج بعض الدراسات البحثية في مجال القيادة والسلوك القيادي، فقد كشفت عن أن المديرين الأكثر كفاءة والأكثر خبرة أكثر ميلاً إلى التقليل من الوعي بقدراتهم مقارنة بالمديرين الأقل كفاءة والأقل خبرة، الأمر الذي يثبت أن المبالغة في الثقة بالذات ربما يكون سببًا في كثيرٍ من صيغ الإخفاق في الحياة، فادعاء الشخص بأنه يعرف كل شيء ومتمكن من كل شيء يجبره على الإبحار في الحياة دون بصر ولا بصيرة ويزيد من معامل احتمالات ارتكاب الأخطاء بل الخطايا السلوكية، إن الوعي الإيجابي بالذات ممارسة إرادية عقلانية لما يعرف بمهمة التحليل الرباعي: مكامن القوة، بواطن الضعف، التحديات والتهديدات، والفرص المتاحة.
2- الاستبطان الذاتي ليس السبيل للوعي بالذات Introspection is not the path to self-awareness:
بل ربما العكس، فالمبالغون في الاستبطان أي التأمل الذاتي فقط في قدراتهم وإمكانياتهم ومشاعرهم دون بصر أو استبصار بالواقع يكونون أقل وعيًا بذواتهم مقارنة بمن يستخدمون التفكير العقلاني الرشيد القائم على الارتباط بوصف وتفهم وتفسير الذات × الوجود، ذلك لأن ممارسة الاستبطان الذاتي والمبالغة فيه لا يعني أن الإنسان سيكون على اتصال واعٍ بكل ما يكمن في بنيته النفسية على المستوى اللاشعوري من تفكير ومشاعر ومؤثرات داخلية، كما أن الاستبطان الذاتي ربما تتشوه عملياته ووظائفه بحكم التوجه نحو التحيز الإيجابي أو السلبي للذات، وقد ينقص من يمارسون الاستبطان الذاتي كمسار لتشكيل الوعي بالذات ما يصح تسميته بالصدق الحياتي الإمبيريقي؛ لأن كثيرًا من مصادر تشكيل الوعي بالذات ترتبط بحركة الشخص × الوجود وتأثيراته فيه وتأثره به.
3- تصورات الآخرين ورؤاهم عن الذات ليست صائبة في كل الأحوال Others perspectives toward Self :
صحيح الآخرون هم المرآة التي قد تتضح فيها صورة الذات، إلا أنها ليست مرآة عاكسة بالضبط للصورة التي أمامها، فقد تكون هذه المرآة مشروخة ضبابية كبرة أو مصغرة، محدبة أو مقعرة ومن المنظور النفسي فإن موقف الآخر من الذات لا يخلو على الإطلاق من التأثر بالخبرة السابقة وطبيعة العلاقة ونوعيتها وحدود الموقف ومكوناته والحالة النفسية والمزاجية ذات الطابع المتقلب، فضلاً عن أخطاء القراءة والتفسير، وربما الاتجاهات والمشاعر والانفعالات الموجهة للذات.
* للمزيد، راجع:
=======
Self-awareness: https://www.pcalaw.com/the-two-types-of-self-awareness-and…/