السعادة الحقيقية

 


بقلم / أفراح رامز عطية

باحثة ماجستير تربية مقارنة وإدارة تعليمية -جامعة السادات

سعي الإنسان للسعادة لا زال يبحث الإنسان منذ القدم عن السعادة، ويتحرى طرقها وكيفية تحقيقها، ويبذل كل وسعه في ذلك، ساعيا بكل ما لديه من عقل وفكر ومادة لإيجادها، لكنها تبقى سرا لم يدرك ماهيته إلا القليل؛ فهي شعور داخلي يشعر به الإنسان ليمنحه راحة النفس، والضمير، وانشراح الصدر، وطمأنينة القلب.

تكمن مشكلة الإنسان الأساسية مع السعادة التي يعانيها منذ الأزل بكونه لا يعلم أدوات تحقيقها، فيحاول أن يجرب المادة والأمور المادية الملموسة ليصل للسعادة فتجده لا يصل.

فما هي السعادة؟

وأين تكمن؟

وهل هي قرار أم قدر محتوم؟

وما نظرة الإسلام لها؟

مفهوم السعادة يختلف مفهوم السعادة من شخص لآخر، وقد اختلف في تعريفها الفلاسفة كذلك؛ إذ إنها مصطلح نسبي، فقد يسعد الإنسان شيء يعد لدى غيره عاديا، ويود الجميع لو يصبحون سعداء، بيد أنك حين تسألهم:

ما معنى السعادة؟

لن يستطيع أكثر الناس الإجابة بشكل صحيح، ويرجع ذلك إلى أن المفاهيم تعقدت وتشابكت، فما عاد غالب الناس يفرقون بين السعادة والرفاهية والرضا، وبين النجاة من الموت والألم والسعي خلف الرزق ورفاهيات الحياة.

تعد السعادة مفهوما مجردا لا ينحصر بنطاق حسي ولا عقلاني، بل يتجاوز ذلك إلى ما هو خيالي، ومن هنا تكمن صعوبة حصره وضبطه في بضع كلمات تصفه
(السعادة ليست بالأمر الهين، فمن الصعب أن نعثر عليها في دواخلنا، ومن المستحيل أن نعثر عليها في الخارج).

تعرف السعادة بأنها (اللذة، -أو على الأقل أنها تكون مرتبطة ارتباطا وثيقا باللذة- واللذة بدورها يتم تفسيرها باعتبارها غيابا واعيا للألم والإزعاج).
حيث يحصر الفضيلة بالتأمل والفلسفة في التفكير، ويصل أخيرا إلى أن الحياة التي تتصف بالسعادة هي الحياة التي تعنى وتتمحور حول النشاط العقلي.

السعادة هي الغبطة التي ندركها حينما نتحرر من عبودية الأهواء ومن الخرافات والأحكام المسبقة).

(السعادة من وجهة نظري هي القدرة على تجربة أوسع نطاق من العواطف والمشاعر بطريقة صحية)

(السعادة هي الشعور بالرضا في ظل غياب القلق أو الاضطراب أو تعكر المزاج).

أما الإمام الغزالي، فيقول: (إن اللذة والسعادة عند بني آدم هي معرفة الله عز وجل)، ويتبع ذلك بقوله:

(اعلم أن سعادة كل شيء ولذته وراحته تكون بمقتضى طبعه، كل شيء خلق له، فلذة العين الصور الحسنة، ولذة الأذن في الأصوات الطيبة، وكذلك سائر الجوارح بهذه الصفة، ولذة القلب خاصة بمعرفة الله سبحانه وتعالى؛ لأن القلب مخلوق لها).

السعادة الحقيقية يختلف الناس في تحديد السعادة الحقيقية باختلاف اهتماماتهم واحتياجاتهم؛ فمنهم من يظن أن السعادة الحقيقية تكمن في امتلاك الأموال الطائلة، ومنهم من يتصورها في بيت فخم وسيارة فارهة، ومنهم من يراها في المناصب المرموقة أو في التمتع بجمالٍأخاذ، أو في تحقيق غرائز الجسد وشهوات النفس، أو في كثرة الأولاد.

يقول الرازي في ذلك: (إن الإنسان يشاركه في لذة الأكل والشرب جميع الحيوانات، حتى الخسيسة منها، فلو كانت هي السعادة والكمال، لوجب ألا يكون للإنسان فضيلة في ذلك على الحيوانات)، ويكمل في سياق آخر:

(إن هذه اللذات الحسية، إذا بحث عنها، فهي ليست لذات، بل حاصلها يرجع إلى دفع الآلام، والدليل عليه أن الإنسان كلما كان أكثر جوعاً كان الالتذاذ بالأكل أتم، وكلما كان الجوع أقل كان الالتذاذ بالأكل أقل).

السعادة الحقيقية في إشباع لذة العقل والذهن بالمعارف والعلوم، بالإضافة لتقدير ورفع قيمة الأعمال المرتكزة على الجهد الذهني، السعادة الحقيقية تتجلى في طلب علوم الحكمة والفلسفة والعمل بالعلوم المنطقية والنظرية بهدف الوصول لنتائج وحقائق صادقة، السعادة الحقيقة تتجلى في الإيمان، والعمل السليم البناء، وإعمال العقل والفكر لإكمال إرواء الملذات الدنيوية، وهذه الطريقة الأفضل للارتقاء بالأمم والوصول أخيرا للسعادة.

إن بذور السعادة وأساسها يكمن في دواخل البشر جميعا، إلا أنهم دائمو البحث عنها خارج روحهم ونفسهم، مما يستنزف طاقاتهم من عمل وعائلة وأموال وطعام، ليستشعروها لفترة صغيرة وخاطفة، ويسعون بعدها في دوامة للحصول عليها مرة أخرى، ولذلك على الإنسان البحث عن السعادة الحقيقية في أعماق داخله فقط، وإلا فلن يجدها في أي شيء خارجي بشكل حقيقي.

السعادة الحقيقية قرار إن السعادة الحقيقية قرار يتخذه الإنسان بإراداته وصبره ورغبته، فإذا عزم الإنسان على أن يكون سعيدا سيفرح بأبسط الأشياء وأصغرها ويحفل بها، وينظر لها بعين الرضا والحب، لا السخط والكره، وسيركل كل ما ينغص عليه فرح وسعادة يومه؛ حيث لن يستطيع الإنسان أن يمنع الهموم والمتاعب من التحلق حوله، لكنه بالطبع يستطيع أن يمنعها من دخول عقله، فوسائل التنغيص وطرقه كثيرة، لا تنتهي الا باتخاذ المرء قرارا يمنح به نفسه السعادة.

السعادة لا تقتصر على المعنى المادي منها فقط، وإن كانت الأسباب المادية عنصرا من عناصر السعادة، بل ركزت على الجانب المعنوي لكونه أثرا يأتي من السلوك الصحيح والقويم.

تشمل السعادة مرحلتين، هما:

السعادة الدنيوية: أتى الإسلام بضوابط وشرائع تكفل للإنسان سعادته في الدنيا، لكنه يقر بأن الحياة الدنيا ما هي إلا درب للوصول للآخرة، وأن عليه أن يسعى للعمل الصالح في الدنيا للوصول لسعادة الآخرة، فقد قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)

وقال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا).

السعادة الأخروية: هي السعادة التي تتصف بالكمال والديمومة والخلود، وهي ما يجنيه المرء جراء عمله الصالح في حياته الدنيا، وفيها يقول تعالى:

(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

كما يقول تعالى: (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ ۚ قَالُوا خَيْرًا ۗ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۚ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ۚ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.