تاريخ المنيا .. منذ الفراعنة حتى العصر الحديث

 

تاريخ المنيا .. منذ الفراعنة حتى العصر الحديث
عثمان فيظ الله محمد – أحمد فيظ الله عثمان
الهيئة المصرية العامة للكتاب – 2019
قراءة وعرض/ سمير محمد شحاتة

تاريخ المنيا حائل بالأحداث، عامر بأعلام الفكر والنضال والجهاد الذين لهم شهرتهم الناصعة فى مختلف العصور. فالمنيا قلعة من قلاع الثورة، أسهم بعض أبنائها بطريقة فعالة فى قيام ثورة 23 يوليو 1952، والمحافظة زاخرة بكل الآثار التاريخية، ومليئة بتراث ضخم تفتحر به فى جميع المجالات على مر العصور. ولا شك فى أن المحافظة قد حققت إنجازات كثيرة فى ظل الحكم المحلى فى مختلف مجالات التعليم والصحة والزراعة والصناعة والسياحة.
من سمات محافظة المنيا تناسقها وجمالها وعراقتها، وثروتها الزراعية والصناعية وكثرة سكانها، ونمو مدنها وعمرانها، كما تمتاز بطابعها التاريخى الذى يتجلى فى آثارها العديدة المنتشرة فى نواحيها المختلفة من الجنوب إلى الشمال، وذلك يدل على أن موكب الحياة كان ينقل خطاه على امتداد الإقليم منذ أمد بعيد. ومن هنا، يتناول هذا الكتاب من خلال أبوابه الحادية عشر بيئة المنيا من جميع اتجاهاتها الطبيعية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية بماضيها العريق وحاضرها الذى ينبئ عن مستقبل ناهض.
يُعد إقليم المنيا الذى يُلقب باسم “عروس الصعيد” فى وضعه الحالى من أكبر محافظات مصر وأهمها، حيث تبلغ مساحته نحو 2273.9كم2، وهى بذلك تُعد من أكبر محافظات الوجه القبلى مساحة، وخصوصا محافظات الجمهورية، تحده محافظة بنى سويف من الشمال، ومحافظة أسيوط من الجنوب، ومن الشرق محافظة البحر الأحمر، ومن الغرب كل من محافظتى الوادى الجديد والجيزة، وتبعد عن القاهرة بنحو 247كم2. وموضعها هذا يجعلها تتوسط الإقليم كله، وتعتبر حلقة الاتصال بين أجزائها المتناثرة شمالاً وجنوباً، كما أنها لا تزال سهلة المواصلات المختلفة بين جنوب الصعيد وشماله. والواقع أن محافظة المنيا تقع فى وسط الصعيد، وعلى جانبيها الشرقى والغربى صحراء تتسع للعمران دون استيلاء على الأرض الزراعية، وهى على النيل، فالماء موفور، وهى قريبة من السد العالى. فالتيار موجود للإنارة والقوة الكهربائية، وفيها مطار يمكن استخدامه فى الانتقال السريع، كما أنها قريبة من المواقع السياحية بالمحافظة، وجوها أفضل بكثير من جو أسيوط وبقية مدن الصعيد بوجه عام.
تتكون المحافظة من تسعة مراكز إدارية، وهى من الجنوب إلى الشمال: دير مواس، وملوى، وأبو قرقاص، والمنيا، وسمالوط، ومطاى، وبنى مزار، ومغاغة، والعدوة. كما تشمل بندرين هما: بندر ملوى، وبندر المنيا، وأكبر المراكز إتساعاً هو مركز سمالوط، وأصغرها مركز العدوة.
لماذا أُطلق عليها اسم “المنيا”؟
كلمة المنيا الحالية، تَدَرج معناها على مر العصور، فكانت منذ القدم تدل على المرعى أو الأرض أو المرسى، وكان اسمها بحسب التسمية القديمة “هيبينو”، ثم فى أيام الدولة القديمة فى الأسرة الرابعة كان للملك “سنفرو” ضيعة آلت إلى ابنه الملك خوفو العظيم وسماها “منت خوفو”، أى مرضعة خوفو، ويرجح أنها كانت عاصمة للإقليم السادس عشر من أقسام الصعيد (مصر العليا) ومكانها زاوية الأموات الحالية شرق النيل. وفى العصر اليونانى عرفت باسم “نيييس” وتدرج الاسم بعد ذلك إلى لفظ “مونى” بمعنى “نزل” أو “محل” باللغة القبطية.
وفى العصر العباسى الأول ذكر ابن بطوطة أن الخصيب بن عبد الحميد كان عاملا على الخراج لهارون الرشيد وأقطعه إقليم المنيا فتدرج الاسم إلى “منية بن خصيب”، والمدينة تنسب الآن إلى مقام سيدى “على الفولى” وهو شيخ متصوف يمنى الأصل، فصارت مشهورة باسم “منية الفولى”، ونظراً لجمالها وحسن موقعها وخفة ظلها، يلقبها الكثير باسم “عروس الصعيد”، وأخيراً، فإن المدينة أضفت اسمها على الإقليم كله فأصبح يسمى إقليم المنيا أو محافظة المنيا.
المنيا فى عصرها الذهبى
فى هذه الفترة التى تقرب من ثلاثة قرون ازدهر إقليم المنيا وكثرت تجارته ومبانيه وارتقت زراعته وبلغت سطوة حكامه مبلغاً بعيداً من القوة والجاه والنفوذ، وقد سجل هذا النشاط الحضارى على جدران قبور الأشراف ببنى حسن والبرشة التى سجلت لأبناء الإقليم تقدمهم فى كثير من نواحى الحياة، وعلى الأخص النشاط الرياضى، كما تضم القبور إلى جانب مناظر الرياضة مناظر الصيد والرعى والزراعة والصناعة، صورت كلها تصويراً دقيقاً فائقاً، تدل على أن أبناء الإقليم قدموا لمصر والإنسانية جمعاء لوناً من الفنون والحضارة ميزته عن غيره من أقاليم الوادى، وفى الأشمونين على الأرجح نشأ “آمون” معبود مصر الذى انتقل إلى طيبة فيما بعد.
ولم تكن تلك النهضة مقصورة على العاصمة فقط (وكانت فى إقليم الفيوم) بل تعدتها إلى الأقاليم المختلفة. وكان إقليم المنيا مزدهراً وحكامه أقوياء، وساد الإقليم كغيره من أقاليم مصر الرخاء والنعيم طوال حكم الملك أمنمحتب الثالث الذى سجل اسمه فى التاريخ بأعماله السلمية النافعة للبلاد، وفاقت المنيا غيرها من الأقاليم الأخرى، بل وصلت إلى عصرها الذهبى فى جميع نواحى الحياة ومختلف النشاط الحضارى، ينطق بذلك كله قبور الأمراء المنحوتة فى الصخر فى بنى حسن والبرشة وغيرها، والمزينة جدرانها بالنقوش والرسوم التى بلغت الغاية فى الإجادة والروعة.
دخول المسيحية
دخلت المسيحية مصر فى نصف القرن الأول الميلادى على يد القديس “مرقس” فى عهد العاهل الرومانى نيرون (54-68م)، كانت المنيا أسرع من غيرها فى استقبال الدين الجديد، يدل على ذلك عدد الكنائس التى انتشرت فى بعض البلاد فى تلك الفترة المتقدمة، وكثرة الرهبان، وكثرة الأديرة التى ظهرت فى كثير من القرى التى تحمل هذا الاسم مثل دير الطير (سمالوط)، ودير طهنشا، ودير أبى حنس، ودير السنقورية، ودير الجرنوس، ودير البرشا، وغير ذلك، ويقول المقريزى إن البهنشا كانت من أعظم مدن مصر فى العهد القبطى حتى ليقال إنه كان بها أسقفية و360 كنيسة، كما يقال، وكان بدلجا أربع وعشرون.
ومما هو جدير بالذكر أن مارية القبطية التى تزوجت الرسول (ص)، وأنجب منها إبراهيم هى من حيث مولدها ترجع إلى قرية الشيخ عبادة التى كانت تقوم على أطلال مدينة قديمة جددها الإمبراطور “هادريان”، كما أن السيدة العذراء زارت إقليم المنيا مع ولدها السيد المسيح فى رحلتها المقدسة، ومرت فى طريقها بالبهنسا والأشمونين، كما استراحت فى طريق عودتها فىالمكان المقابل لقرية “البيهو” شرق النيل، حيث يوجد الآن دير العذراء الذى أنشئ تخليداً لهذه الزيارة المقدسة، ويقام فيها سنويا مولد كبير يزخر بالآلاف من المسيحيين والمسلمين على السواء.
المنيا الإسلامية
من الثابت تاريخياً أن العروبة فى مصر قد سبقت دخول الإسلام بقرون وأجيال، فقد وفد إلى مصر كثير من العرب للتجارة والإقامة، ولم يكن الفتح الإسلامى إلا تحرير المصريين من حكم الرومان، وقد تم هذا الفتح سنة 641م فى يسر وسهولة، ورحب الأهالى بالعرب ترحيباً كبيراً، ووقفوا معهم ضد الرومان، ومنذ ذلك الوقت بدأ أغلب المصريين يدخلون الإسلام واعتصموا بأمنه واستظلوا بوداعته وطمأنينته وسماحته، وقد تم ذلك تدريجياً، وبدأ يزداد بعد زيارة المأمون لمصر سنة 832م، وأصبحت مصر قطراً إسلامياً، وكان ولا يزال درة فى تاج الدولة الإسلامية العربية.
تطور مجتمع المنيا وأصبحت المنيا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالفسطاط (العاصمة)، واتجه النشاط التجارى صوب الشمال عن طريق النيل، والطريق البرى، وبدأ آباؤنا يتعلمون العربية، واتسع استعمالها بقدر دخولهم فى الإسلام، ثم استعملت العربية بجانب القبطية للتفاهم فى المعاملات اليومية، وبالتدريج صارت اللغة العربية لغة التفاهم بين الأهالى سواء أمنهم من كان قد أسلم، أم من بقى على المسيحية، وبعد مدة دخلت اللغة العربية فى صلوات الكنيسة، فأصبحت اللغة العربية بعد ذلك كله اللغة القومية.
الإصلاح الزراعى فى المنيا
بقيام الثورة تغيرت الحياة فى إقليم المنيا تغيرا واضحا سريعا فى جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية والسياسية، وشملتها يد الثورة بعناية كبيرة، وكان أهم هذه التغيرات الإصاح الزراعى الذى شمل توزيع آلاف الأفدنة على الفلاحين المصريين فى قرى الإقليم المختلفة من جنوبه إلى شماله، وقد أثار إصدار هذا القانون وتنفيذه سخطاً كبيراً من رجال الإقطاع الذين حاول بعضهم تدبير المؤامرات ضد الثورة ومشروعاتها، ومن بين هذه المؤامرات فى المنيا محاولة “عدلى لملوم” من كبار الإقطاعيين تحدى الحكومة وتحريض أتباعه على عدم تنفيذ قانون الإصلاح الزراعى، ولكنه أخفق ونفذ فيه حكم الإعدام.
وبتنفيذ هذا القانون تمتع الفلاحون المصريون بالأرض التى وزعت عليهم وأصبحوا ملاكاً، وبلغت جملة ما استولى عليه الإصلاح الزراعى فى المنيا 85554 فداناً، وقد وزعت هذه الأرض على 24895 أسرة بمناطق المنيا وملوى وسمالوط وبنى مزار ومغاغة وأبو قرقاص، وينتفع بهذه الأرض الآن نحو 250 ألف نسمة، وقد أنشئ بمناطق الإصلاح الزراعى كثير من الجمعيات التعاونية الزراعية لمعاونة الفلاح فى كل ما تتطلبه زراعة أرضه من بذور وسماد وآلات وغير ذلك، ويعتبر هذا القانون أخطر قانون صدر فى تاريخ مصر، لأنه قضى على نظام الإقطاع، ونظم العلاقة بين المالك والمستأجر، وحدد القيمة الإيجارية.
“المنيا” .. من أغنى المحافظات فى مجال السياحة
إقليم المنيا غنى بتراثه القديم وآثاره العديدة التى نفخر بها ونعتز بمنشآته العمرانية ومرافقه الحديثة التى تعود إلى سنوات الثورة، وكلها تستحق الزيارة والمشاهدة. ويفد إلى المنيا عدد لا بأس به من السياح فى كل عام لزيارة المناطق السياحية الفريدة، والتى لا نظير لها فى أماكن أخرى فى الصعيد، كما يقوم تلاميذ المدارس على اختلاف أنواعها ودرجاتها برحلات لزيارة الأماكن الأثرية والمنشآت المختلفة بالمحافظة.

أهم المعالم السياحية بالمنيا
تعتبر محافظة المنيا متحفاً وسجلاً قديما لعصور تاريخية مرت على مصر، إذ تعتبر سجلاً وافياً للآثار الفرعونية والرومانية واليونانية والقبطية والإسلامية. من أهم الآثار فى المحافظة مسجد اللمطى ومسجد العمرى ومسجد المصرى ومسجد الفولى وزاوية سلطان وطهنا الجبل وإسطبل عنتر ومسجد المئذنة المائلة، ويوجد بها معبد للملكة حشتبسوت تل العمارنة، ويوجد العديد من الأديرة المسيحية مثل: دير السيدة العذراء بجبل الطير، وكنيسة أبونا عبد المسيح المناهرى، ودير الأنبا صموئيل.
أما عن المناطق الأثرية فتشمل: منطقة الأشمونين (آثار يونانية ورومانية)، ومنطقة تونا الجبل (آثار يونانية)، وطهنا الجبل (آثار يونانية – إسلامية – مسيحية)، تل العمارنة (آثار فرعونية)، البهنسا (آثار فرعونية – يونانية – مسيحية وإسلامية)، جبل الطير (آثار فرعونية – مسيحية – إسلامية)، مقابر فريزر (آثار فرعونية)، إسطبل عنتر (آثار فرعونية)، بنى حسن (آثار فرعونية)، بردنوها، والمسجد العتيق بسمالوط.
النشاط الاقتصادى للمحافظة
محافظة المنيا من المحافظات الصناعية، فيها مصانع أسمنت أبيض وأسود بسمالوط، ومحاجر الحديد والصلب، ومحاجر الرمال، ومحاجر الرخام، ومحاجر الحجر الجيرى، ومحطات تعبئة الغاز الطبيعى، ومصانع المياه الغازية بمركز سمالوط، ومصانع الزيوت ومحالج الأقطان ومحطات تعبئة الغاز الطبيعى ومصانع المياه الغازية بمكز المنيا، ومصانع السكر بمركز “أبو قرقاص”، مصانع البلاط والطور الرملى بمركز مغاغة. وقد حدثت طفرة كبيرة فى المجال الصناعى فى الفترة الأخيرة، حيث زادت المصانع بشكل كبير فى مراكز المحافظة، وبالتالى زاد الإنتاج وأُتيحت الفرصة للتصدير خارج البلاد وتعددت.
من المعروف أن الهضبة الشرقية كثيرة المعادن التى لا يستغل منها فى وقتنا الحاضر إلا الأحجار والرخام والطفل، وكلها مواد مهمة للبناء، كما أن المنطقة غنية بما فيها من آثار تاريخية تنفرذ بها المنيا، ولا تزال باقية تحدثنا عن ماضينا العريق، ولا يعيب هذه الصحراء إلا تعرضها لأضرار السيول المتدفقة فى وديانها إلى النهيل، وإن كانت هذه السيول نادرة فى الوقت الحاضر، ولا تحدث إلا فى فترات متباعدة.

مجالات وفرص الاستثمار
أهمها مشروعات استصلاح الأراضى، ومشروعات الغزل والنسيج، وتعبئة وتجفيف منتجات البصل والثوم، وإنتاج الزيوت العطرية، ومطاحن القمح والذرة، ومشروعات تسمين الماشية والأغنام، وإنتاج الأعلاف بأنواعها. ويوجد اتجاه نحو تخصيص الأراضى لإقامة سبعة مصانع جديدة بمنطقة “المطاهرة” شرق النيل للصناعات المتوسطة، وتشمل مصانع (مكرونة، وملابس جاهزة، وآلات زراعية، وعصائر، وبويات، ومصانع للتغليف).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.