أحلام بنت صغيرة فى يوم صيفى حار

ا

المؤلف: محمد الكاشف

الناشر: مؤسسة روائع للثقافة والفنون والنشر، 2019

 يسرد المؤلف محمد الكاشف، الكاتب الصحفى، فى كتابه “أحلام بنت صغيرة” مجموعة من القصص القصيرة الواقعية والهادفة والممتعة والرائعة، والتى تحمل معانى عظيمة تلمس القلب والروح، ومواعظ مؤثرة فى مضمونها. فالقصة القصيرة هى سرد لأحداث واقعية وخيالية تميل إلى الرومانسية بهدف إثارة اهتمام القراء وإمتاعهم وتثقيفهم. فالقراءة هى غذاء العقل ولا يمكن الاستغناء عنها، ولابد من اقتناء بعض القصص والروايات القصيرة التى تمتلئ بالمحتوى الغنى لقراءتها فى أوقات الفراغ. فعادة ما نصاب بالملل من قراءة الروايات والقصص الطويلة التى تحتاج إلى وقت لقراءة تفاصيلها، ولكن مع توفر قصص تحمل نفس المستوى الفكرى والثقافى فيجب قراءتها، خاصة أن بعض هذه القصص لها مكانة ثقافية كبيرة. لذلك يقدم المؤلف فى كتابه الشيق أفضل ما يُغذى به عقل القارئ من خلال قصصه القصيرة والجذابة، والتى تعتبر من الفنون الأدبية الجميلة والحديثة، والتى تضم العديد من الشخصيات التى تتنوع صفاتها وانفعالاتها، وتتميز عن غيرها بطريقة سردها.

ومن خلال محتويات الكتاب سنذكر ملخص لبعض من القصص التى تحمل الكثير من العظة والحكمة كما يرويها مؤلفها الذى يمتلك مقومات أدبية خاصة مستوحاة من الواقع، شخصياتها واضحة، ولغتها مستمدة من قيمة ضمنية تعبر عن مغزى أدبى وثقافى ذات مستوى راق، لا يستطيع القارئ أن يضعه جانبا حتى ينتهى من قراءته. فليس على المؤلف أن يكتب شيئاً يجذب به القارئ ويبقيه فى الصفحة الأولى، بل لابد من إنهائها، فهى شيقة وتحتاج قراءتها أكثر من مرة.

فى أيدينا كتاب يحتوى على 12 قصة قصيرة من خلال 92 صفحة، سألخص للقارئ ثلاث قصص منها عبر موقعنا، فهى واقعية وجميلة جداً تحمل معانى وأفكار رائعة ومميزة فعلاً، استمتعوا معنا الآن بقراءتها .. القصة الأولى تحمل عنوان: “أحلام بنت صغيرة فى يوم صيفى حار”، والثانية قصة رائعة تحمل معنى جميل عن العدالة الزوجية بعنوان: “إمرأة أخرى”، والثالثة وليست الأخيرة: “أوراق الخريف”، أترككم مع أحداث هذه القصص وأتمنى لكم قراءة مفيدة وممتعة .

“أحلام بنت صغيرة فى يوم صيفى حار”

تدور أحداثها حول فتاة “منقبة” قامت برحلة مع زملائها التلميذات للاستمتاع بالبحر، وظلت الأحلام تداعبها وهى تقف على الشاطئ وتشاهد رفيقاتها وهن يدفعن الماء بأيديهن وتتعالى أصواتهن بالضحكات، لكن “زهراء” يتردد صوت أبيها فى أذنها بأوامره لها ولأخواتها الأربعة ووالدتها “لا تفعلن ولا تحادثن غير المنقبات”، وعندما يأتى لهم زائر من الرجال فى المنزل حتى يسرعن إلى الإنزواء ويتلفعن بالسواد ويغطين وجوههن. يضطرب وجدان “زهراء” بهذه الأحاسيس، بينما الساعات تمضى، وفى اللحظة التى أوشكت أن تخلع نقابها الذى يحجبها عن الدنيا ومتاعها ينطلق صوت البنات وهن يتجمعن للعودة، وعندما انطلق الأوتوبيس واختفى عن الشاطئ ظلت “زهراء” تفكر ماذا لو كنت نزلت البحر فى هذا اليوم الحار .. هل كنت سأدخل النار كما يقول أبى؟

إمرأة أخرى

ينتقل المؤلف إلى قصة أخرى مهمة تتساءل فيها سيدة عن العمر الذى عاشته مع زوجها وتبدى استغرابها بقولها: “هل يمكن بعد كل هذا العمر الذى عشته معه أن يفكر فى إمرأة أخرى؟”، وبدأت الوساوس تتحرك بداخلها. تمر بها الليالى ويعتصرها قلق خفى وتقول لنفسها “آه .. لقد ظهرت خيوط الزمن على كل منا .. إذاً فلماذا يبحث عن إمرأة أخرى”. وفى إحدى الليالى سمعت خطواته وهو عائد للبيت يفتح الباب بهدوء شديد ويدخل الغرفة المجاورة. قالت أم أحمد لابد أنه عائد من عندها ويجب مواجهته حتى أضع حداً للقيل والقال .. أشعل سيجارة وظل يفكر كيف عاش معها كل هذه السنين، وماذا لو تزوجت المرأة التى تسعدنى رغم أنها تصغرنى بعشرين عاما؟ المهم أنها تريدنى وأريدها، ظلت الأفكار تداعب أم أحمد فى رأسها وعادت إلى فراشها منكسرة وحزينة، وظل هو قلقاً حتى قبل الفجر.

شاء القدر أن أغمض عينيه ونام وحين طلع النهار حاول أن ينهض فلم يستطع، فجأة غاب عن الوعى، وغاب البصر، وتراخت أعضاء الجسد، ولم يستطع الكلام. صرخت زوجته: رشدى، ماذا بك؟ لم يجيبها، ورغم ذلك تمنت الزوجة لو اختار المرأة الأخرى شريكة لحياته.

أوراق الخريف

قصة مؤلمة لسيدة وضعت نفسها فى موقف لا تُحسد عليه أى سيدة، بدت حائرة وهى تنتظر رجلاً بالليل، كان على موعد معها ولم يأت بعد، ظلت تفكر كيف تواجه النظرات من حولها وهى تنظر فى ساعتها بقلق وعصبية، والساعة تشير إلى ما بعد العاشرة مساءً، لكنها ظلت على أمل وحرصت أن يراها فى أجمل صورة، لكن الرجال والشباب فى الشارع يتفحصونها بعيونهم الناهمة التى لم تترك مكاناً فى جسدها إلى ويخترقونها بنظراتهم وهى منتظرة دون جدوى.

تذكرت حين جاءت من مدينتها وتقابلت مع صاحب العمارة التى ستسكنها وصارحته بأنها ستسكن وحدها وتعجب لحالها لا زوج ولا أسرة ولا عائلة، وقالت له بأن زوجها وأطفالها ماتوا فى الحرب. وعندما أعطته مقدم الإيجار ووضعه فى جيبه، بدت عيناه تتفحص جسدها النابض بالشباب، ويمصمص شفتيه بإعجاب ومُرحباً بالساكنة الجديدة.

تستعيد اللحظة التى غيرت حياتها من إنسانة متزوجة لها بيت وأسرة إلى إمرأة تهيم فى الشوارع. تذكرت عندما سمعت صوتاً عالياً يشبه صوت الرعد، ثم صار غباراً كثيفاً ودخان، ثم انهار بيتها، وتحول كل شئ إلى أنقاض، بينما سقطت هى مغشياً عليها فاقدة الوعى، وحين فتحت عينيها بإحدى المستشفيات لم تجد زوجها ولا طفليها، واستسلمت إلى قدرها. تمضى بها الليالى ساهرة تضنيها الوحدة وتقول لنفسها “لا تخلف الحرب سوى الحسرات والآلام والدموع”، لكن زمن الحرب قد ولى وانتهى، لكنه قد ترك فى النفس أثراً لا يُنسى، فحين كانت تأتى لحظات القصف كان الكل يبحث عن طوق نجاة.

جاءت إلى المدينة الكبيرة ورأت عالماً مختلفاً .. أناساً يلهون ويستمتعون بغير حدود. نشأت علاقة بينهما بدأت منذ زمن عقب تلك الأيام التى كانت فيها بحاجة إلى رجل، وحين التقته وتعارفا رحبت بفكرة الزواج العرفى وصارت تذهب إليه أو تنتظره ليصحبها إلى شقة مفروشة، وحين صارحها بأن لديه أسرة وأطفال لم تبالى بذلك، المهم أن يكون معها تقضى معه ساعات من الليل والنهار وتحس بأن لحياتها معنى، لكنه انشغل عنها وتباعدت فترات اللقاء بينهما، واضطرب قلبها بالغضب والأسى.

تقول ما أصعب أن تنتظر المرأة رجلاً لا يأتى .. ونما لديها إحساس بالهوان إلى أن مر شاب وسيم بسيارته داعيا إليها بالركوب معه، ورغم ترددها لكن ساورتها رغبة جامحة فى أن تعود من حيث جاءت، لكن ثمة عوامل بداخلها تنهار مثلما انهار بيتها فى زمن الحرب. وبينما تنطلق السيارة بهما تسقط المزيد من أوراق الخريف الجافة من فوق الأشجار التى سرعان ما تدوسها الأقدام.

وأترك للقارئ استكمال قراءة باقى القصص الممتعة من خلال كتاب “أحلام بنت صغيرة فى يوم صيفى حار” للكاتب محمد الكاشف من خلال وجهة نظره وتفاعله مع باقى شخصيات الكتاب.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.