- البطولات التي حققتها القوات المصرية شهد بها القاصي والدانى بما فى ذلك إسرائيل.
- عندما بلغت حرب الاستنزاف ذروتها تدخلت أمريكا لتهدئة الجو ولطمأنة إسرائيل.
- خبر الهجوم المصري- السوري المشترك وصل إلى جولدا مائير من خمس عواصم عالمية منها عاصمة عربية.
- الرئيس نيكسون قال لجولدا مائير: لن نقف مع الذي يبدأ بالعدوان.
- دول النفط العربية استخدمت سلاح البترول فى الحرب ببراعة.
حوار:
سمير محمد شحاتة
صلاح غراب
تأتـى الذكرى السادسة والأربعون لحرب أكتوبر المجيدة وسط تحديات عظيمة، واضطرابات كبيرة، حيث تواجه مصر حربا شرسة ضد إرهاب أسود أطل برأسه لا يُبقى ولا يذر، ويمور الإقليم من حولها مَوْرا.. الكل منكفئ على ذاته، مهموم بمشاغله ومشاكله، فتأتى ذكرى أكتوبر المجيدة لتذكر العرب بماضيهم المجيد، وعزهم التليد، حيث جمعتهم من تفرق، ووحدتهم بعد تشتت، وأعزتهم بعد ذل، الكل وقف صفا واحدا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. لاستخلاص الدروس، واستلهام العبر، واسترجاع الذكريات، كان هذا الحوار مع د. عاصم الدسوقى، أستاذ التاريخ الحديث بآداب حلوان، ومؤسسها وعميدها الأسبق، وعضو الجمعية التاريخية المصرية.
-بداية، ما هى الظروف التى هيأت لقيام حرب أكتوبر المجيدة؟
تتلخص الظروف في ضرورة التخلص من آثار عدوان إسرائيل على مصر في الخامس من يونيو 1967، وكان هذا الأمر قد تم الإعداد له فيما أطلق عليه الرئيس عبد الناصر “حرب الاستنزاف” (بدأت أول طلقة فيها سبتمبر 1968) حين قال: “قد لا أكون قادرا على شن حرب تحرير شاملة ضد إسرائيل حاليا، ولكنى سوف أقوم بإزعاجها وإقلاقها في كل وقت حتى يتم إجهادها”. وفي هذا المنعطف، تم وضع الخطة “جرانيت” لشن حرب التحرير الشاملة ضد الاحتلال الإسرائيلي. ولأن حرب الاستنزاف أشبه بحرب العصابات، حيث لم تكن إسرائيل تعرف من أين تأتيها الضربة، وفي أي وقت، فقد انزعجت إسرائيل لأنها اضطرت إلى استدعاء الجيش الاحتياطي مما كان له تأثيره السلبي فى الإنتاج، حيث كان الجيش الاحتياطي يأتي من مواقع الإنتاج في المزارع أو المصانع. وعندما بلغت حرب الاستنزاف ذروتها، تدخلت الولايات المتحدة لتهدئة الجو، ولطمأنة إسرائيل بناء على معاهدة التحالف بين الطرفين في عام 1951 الخاصة بمسئولية أمريكا عن حماية أمن إسرائيل، والدفاع عنها. وبهذه المناسبة، فإن أمريكا، أو الأمم المتحدة، أو أى دولة كبرى لا يمكن أن تقدم مبادرة من المبادرات بشأن الصراع العربي-الإسرائيلي إلا إذا كانت لمصلحة إسرائيل، ويخطئ من يظن غير ذلك. ومن هنا، جاءت مبادرة روجرز في يوليو 1970 لوقف القتال لمدة ثلاثة أشهر، وقبلتها إسرائيل المجهدة من حرب الاستنزاف، وقبلها عبد الناصر، ورأي فيها فرصة لتحريك شبكة الصواريخ في جو آمن. ومات عبد الناصر قبل أن تنتهي الأشهر الثلاثة تاركا الخطة “جرانيت”.
-لك قول مفاده أن حرب أكتوبر كانت مدبرة بين السادات وأمريكا، فما هى الأدلة التى استندت إليها؟
عندما تقرأ مذكرات أشرف غربال (نشرتها الأهرام في عام 2004)، والذي كان رئيس بعثة المصالح المصرية في أمريكا، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية مع أمريكا بسبب موقفها من عدوان إسرائيل في يونيو 1967، سوف تجد أنه يقول: قبل بدء عمليات أكتوبر بأسبوع، وفي 30 سبتمبر 1973، دعا السادات لاجتماع في بيته بالجيزة حضره خمسة عشر واحدا من كبار المسئولين، بينهم أشرف غربال، فيما يعد مجلس الأمن القومي الموسع. وفي هذا الاجتماع، قال السادات إن القيام بعمليات عسكرية من شأنه أن يحرك القضية، وتكون بمثابة دقات إنذار تُشعر إسرائيل وأمريكا بأن موقفنا جدي من تحرير الأرض. وفي هذا الاجتماع، قال أشرف غربال العائد من واشنطن بعد خمس سنوات هناك “إن الحرب ستكون قصيرة المدى، إذ إن الدولتين العظميين لن تتركا الوضع يتفاقم بين الطرفين، وستعملان على حصرها فى حدود (ص 91) .. وأنه في حالة قيام الحرب، ستكون لتحرير أراض محتلة، وليس الأراضي المحتلة، لأن الخط الذي ستصل إليه القوات المصرية سيكون هو الخط الذي تبدأ عنده المفاوضات، سواء كان على حسابنا أم على حساب العدو” (ص 92).
ومن هنا، تم تعديل الخطة “جرانيت” التي وضعها عبد الناصر، وأصبح اسمها “جرانيت 1” ، ووضع السادات خطة جديدة باسم “جرانيت 2” تقوم على أن الحرب تكون حرب تحريك، وليس حرب تحرير. وكان هذا سبب قيام السادات بعزل الفريق محمد أحمد صادق، وزير الدفاع، الذي قال إنه لا يفهم حرب تحريك، وإنما يفهم شن حرب شاملة حتى يقف عند الممرات.
-ولكن الرئيس السادات قال ذلك صراحة فى خطابه الشهير ما مفاده أن حرب أكتوبر كانت لتحريك الموقف؟
لقد صدق السادات في هذا، لكنه كان يمتثل لرأى أمريكا التي أبلغته إياه عن طريق شاه إيران، ومفاده أن الحل الجزئي مع انسحاب إسرائيلي، أيا كان مداه، أفضل من بقاء الوضع على ما هو عليه. كما أبلغته عن طريق رئيس رومانيا (شاوشيسكو اليهودي والذي له أخ يعيش في إسرائيل) أن الحل الشامل يكمن في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، على أن تحرر مصر نفسها من قيود المشكلة الفلسطينية.
-إذا كانت حرب أكتوبر متفقا عليها بين السادات وأمريكا، فهل كانت إسرائيل لا تعلم بهذا؟
ورد فى مذكرات عبد المنعم واصل، قائد الجيش الثالث في حرب أكتوبر، أن الأوامر صدرت للجيش بالعبور، وتم ذلك بنجاح منقطع النظير، ثم صدرت الأوامر بالوقوف، وعدم مواصلة القتال، وهذا هو معنى حرب للتحريك وليس للتحرير. ويذكر والتر بوين في كتابه “حرب الساعة 2” بالإنجليزية، الصادر في سبتمبر 2002 ، وهو طيار في سلاح الجو الأمريكي، وكان من قوات الجسر الجوي التي قدمتها أمريكا لإسرائيل في 15 أكتوبر (1973)، واعتمد في كتابه على وثائق كثيرة، منها المحادثات التليفونية، واللقاءات الثنائية. وخلاصة ما جاء فى كتابه، وكتاب عبد المنعم واصل، وكتاب أشرف غربال، وكتاب إبراهيم كامل وزير الخارجية “السلام الضائع”، وكتاب محمد حسنين هيكل “أكتوبر السلاح والسياسة”، المزود بعدد هائل من الوثائق الأمريكية، تنتهي إلى ما يأتي:
أن خبر الهجوم المصري- السوري المشترك وصل إلى جولدا مائير، رئيس حكومة إسرائيل، فجر السادس من أكتوبر من خمس عواصم عالمية، منها عاصة عربية، ويقول “إن الهجوم سيتم قبل نهاية نهار يوم 6 أكتوبر”، فقامت جولدا مائير بجمع مجلس الحرب في الفجر، وقالت لهم الخبر، وطلبت المشورة، فقال إيجال آللون: نقوم بضربة وقائية مثلما حدث يوم الخامس من يونيو 1967، فرفضت جولدا، وقالت نخبر الرئيس نيكسون، فقال لها نيكسون: لن نقف مع الذي يبدأ بالعدوان. وعندما عبرت القوات المصرية قناة السويس، وحطمت خط بارليف، جاءت الأوامر لها بالتوقف، وهنا اتصل السادات بهنري كيسنجر، وزير خارجية أمريكا، قائلا: إنه لا ينوي تطوير القتال، فقام كيسنجر بإبلاغ الخبر إلى جولدا مائير، فأصدرت أوامرها للطيران الإسرائيلي بعدم التوغل في الأراضي المصرية.
-هل معنى ذلك أن إسرائيل لم تطلب العون من أمريكا بعد توقف الجيش المصرى؟
أمريكا بدأت تفكر في مد جسر جوي لمساعدة إسرئيل تحسبا لتقدم الجيش المصري بعد التوقف، وكان ذلك فى العاشر من أكتوبر، وكان تنفيذ هذا الدعم العسكري يتطلب توقف الطيران الحربي الأمريكي الذي يحمل الرجال والعتاد في محطة أوروبية للراحة، قبل مواصلة الطيران إلى إسرائيل. غير أن دول حلف الأطلنطي رفضت السماح بنزول الطيران الأمريكي في أراضيها خوفا من سلاح البترول الذي استخدمته دول النفط العربية في الحرب ببراعة. لكن أمريكا وجدت ضالتها في البرتغال، وهي عضو في حلف الأطلنطي، وتحصل على احتياجاتها من النفط من أنجولا، مستعمرتها السابقة في غرب إفريقيا، فنزل الطيران الأمريكي في جزر الأزور (البرتغالية) في المحيط الأطلنطي للراحة، ثم واصل طيرانه في الأجواء الإقليمية للمغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا، ومصر إلى إسرائيل، دون أن تتحرك أي من تلك الدول أو تحتج. ثم حدثت الثغرة (الدفرسوار في الإسماعيلية) حين عبرت قوات إسرائيلية من الضفة الشرقية إلى الضفة الغربية لقناة السويس، فأصبح هناك تكافؤ في الموقف: الجيش المصري في الضفة الشرقية، والجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية (الدفرسوار)، وساعتها أعلنت جولدا مائير أنه لا منتصر ولا مهزوم. وعندما كتب محمد حسنين هيكل مقالته الأسبوعية في الأهرام، بعد فض الاشتباك وفي يوم 2 أكتوبر 1974 تحت عنوان “حالة اللا نصر واللا هزيمة”، ووضع خريطة لقناة السويس على يمين الصفحة، ووضح عليها بالأسهم عبور الجيش المصري إلى الضفة الشرقية، وعبور الجيش الإسرائيلي إلى الضفة الغربية (الإسماعيلية) بما يعنى التكافؤ في الموقف، تم خلعه من رئاسة الأهرام بعدها بيومين.
– ألا ترى أن اعتقادك بتدبير حرب أكتوبر يُنقص من الدور العسكري المصري في النصر؟
هذا غير حقيقي.. لا أحد يشكك في البطولات التي حققتها القوات المصرية على الإطلاق، والتي شهد بها القاصي والداني، بما فيها إسرائيل. لكن المشكلة أن التسوية السياسية التي قام بها السادات، ابتداء من زيارة الكنيست الإسرائيلي (19 نوفمبر 1977)، وانتهاء بتوقيع معاهدة الاعتراف بإسرائيل (26 مارس 1979) أضاعت النصر والبطولات التي حققها الجيش المصري. وهنا، أتذكر أن أحد لواءات الجيش الثالث، لا أتذكر اسمه، قال في محاضرة عامة، كنت أحد الذين حضروها، إن السادات كان يجمع قادة الجيش، ويقول لهم: عاوزكم تعدوا القناة وتمشوا شبر أو شبرين وتقفوا وسيبولي الباقي سياسة.
–تتداول التقارير أن كيسنجر كان اللاعب الرئيسى في تلك الحرب، خصوصا في محاولة التمويه عليها، وإخفاء حقيقتها، كيف ذلك؟
هذا حقيقي، فقد قال كيسنجر في مذكراته إنه جاء لمقابلة السادات بعد قبوله وقف إطلاق النار والهدنة. وكان اللقاء في قصر القبة (7 نوفمبر 1973). وعندما خرج من هذا اللقاء، قابله صحفى أمريكى، وقال له: ما الذي تم في اللقاء؟ فقال كيسنجر: أقول لك وماتقولش لحد: لقد فاجأني السادات بحجم التنازلات التي هو على استعداد لتقديمها، فقال: إن السادات قال له إنه يريد أن يتخلص من ميراث ناصر في المنطقة Legacy of Nasser.. وميراث ناصر يعني العروبة، وقضية فلسطين في القلب منها، لكن العرب لن يؤيدوه، فأبدى كيسنجر استعداده لتقديم ما يحتاج إليه من مساعدات لتحقيق هذا الهدف الذي هو هدف أمريكي-إسرائيلي. فما كان من الصحفي إلا أن نشر هذا الحديث، وهذا ما كان يقصده كيسنجر، إذ لا يعقل أن تقول لصحفي مهمته البحث عن الأخبار: اقولك ومتقولش!! غير أن السادات قرأ هذه الصحيفة فغضب غضبا شديدا. فلما التقى كيسنجر مرة أخرى وعاتبه، نجح هنري في الإفلات، وقال له “دا صحفي مش متربي وأن له من اسمه نصيبا في لغتكم (العربية)، وكان الصحفي اسمه ريتشارك كالب، فقال إنه كلب، فضحك السادات، وبلع المكيدة. فلما كتب السادات مذكراته “البحث عن الذات”، ذكر هذ اللقاء بصورة مغايرة، إذ قال: ولما جاء كيسنجر هنا، هددته بتطوير القتال إذا لم تنسحب إسرائيل من الدفرسوار. لكن سير الأحداث التالية يثبت صحة رواية كيسنجر، وليس رواية السادات.
-ما حقيقة ثغرة الدفرسوار والخلاف بين السادات والشاذلى فى هذا الشأن؟
من المصادر السابقة التي أوردناها، فالثغرة عبارة عن عبور قوات إسرائيلية إلى الضفة الغربية في المساحة الفاصلة بين الجيشين الثاني والثالث. وحدثت عندما قرر السادات تطوير القتال فتم سحب الجيشين، وكانا يلتقيان عند الدفرسوار، فأصبحت المنطقة عارية، والتقطتها طائرات التجسس الأمريكية، وأبلغت إسرائيل بذلك، فجاء احتلال إسرائيل للتهديد بعدم مواصلة القتال. ولما حدث هذا، اقترح الفريق سعد الين الشاذلي سحب أربع كتائب من الجيش المصري في الضفة الشرقية، وحصار القوات الإسرائيلية، وينتهي الأمر، لكن السادات رفض هذا. وكان الموقف برمته جزءا من ترتيب حرب التحريك وليس التحرير، تمهيدا للتفاوض والاعتراف بإسرائيل، والتخلي عن فلسطين.
-ألا ترى أن الثغرة حدثت بفعل تطوير الهجوم، وأن نظرية السادات فى التحريك كانت أفضل؟
كل هذا يصب في خانة حرب التحريك وليس التحرير. لقد قال والتر بوين المشار إليه أعلاه : إن هذا أول مرة أرى حربا يقف فيها الذي هاجم بعد عبور المانع المائي، ويقول للعالم: إلحقوني، وما هذا إلا التحريك وليس التحرير.
-المشير الجمسى قال إن الثغرة انتهت إلى استنزاف إسرائيل بعد أن أصبحت محاصرة بالقوات المصرية، كيف ذلك؟
الوقائع تثبت عكس هذا كما وردت على لسان الشاذلي الذي تم التعتيم على موقفه.
– لماذا انتظر السادات حتى عام 1979 ليوقع اتفاقية السلام مع إسرائيل؟
لم يكن الأمر بمزاجه، ولكن المسألة جاءت بترتيب هنري كيسنجر خطوة خطوة، فقد بدأ الأمر بذهاب السادات إلى الكنيست الإسرائيلي، وتحدث عن السلام (19 نوفمبر 1977)، ثم تلا ذلك مباحثات بين السادات وبيجن بوساطة أمريكية في كامب ديفيد بأمريكا سبتمبر1978 ، واتفقا فيما بينهما على وضع إطار لكيفية تحقيق السلام، واتفقا على أن يتوصلا لوضع صيغة للحكم الذاتي في الضفة وغزة (لم يذكرا فلسطين) تمهيدا لتطبيق الحكم الذاتي التام، وليس تمهيدا لإقامة دولة فلسطين، وهذا ما انتهى إليه الوضع في فلسطين. بعد ذلك، جاءت مرحلة معاهدة السلام في 26 مارس 1979 بوساطة أمريكية التي انتهت باعتراف السادات بإسرائيل. ويكفي أن تقرأ ديباجة المعاهدة التي تقول “إن حكومة جمهورية مصر العربية، وحكومة دولة اسرائيل اقتناعا منهما بالضرورة الماسة لإقامة سلام عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط، وفقا لقراري مجلس الأمن 242 و 338 .. إلخ”. وهذه الإشارة عبارة عن تنفيذ لما جاء في هدنة رودس 1949 التي تقول في نهايتها: إن هذه الهدنة توطئة لتوقيع اتفاق سلام دائم ونهائي بين مصر إسرائيل، وهذا ما تحقق بمعاهدة مارس 1979. والإشارة الثانية الخاصة بقراري مجلس الأمن تعني الانسحاب من “أراض محتلة”، وليس من “الأراضي المحتلة”، وهذا هو المأزق.
-مادام الأمر كذلك، فلماذا قبل السادات بها؟
لأنه قبل وساطة الدور الأمريكي دون أن يدري أن أمريكا تلعب لحساب إسرائيل منذ تعهد واشنطن بحماية أمن إسرائيل في معاهدة 1951.
-هل اتجاه السادات للأمريكان كان من أجل مساعدة أمريكا في بناء الاقتصاد المصرى، أم لشىء آخر؟
العكس هو الصحيح، ذلك أن الشرط الأمريكي الذي تم إبلاغه للسادات لكي تتدخل أمريكا في حل الصراع عندما كان السادات يصرح بأن 99% من أوراق الصراع في يد أمريكا ما جاء عن طريق دوائر مخابراتية، ورد ذكرها في المصادر أعلاه: أنه لكي تحصل مصر على مساعدة أمريكا في لانسحاب إسرائيل، يجب إخراج السوفيت من الجيش المصري، وتصفية القطاع العام حتى تعود مصر إلى سياسات ما قبل يوليو 1952 حين كان رأس المال يسيطر على السوق، ويستثمر في دائرة الاستهلاك، وليس الإنتاج بما يبني القوة الاقتصادية. وهذا ما فعله السادات حين طرد الخبراء السوفيت من الجيش المصري في مايو 1972. وعندما تم فض الاشتباك، جاء مدير البنك الدولي للإنشاء والتعمير إلى مصر في مارس 1974 ، وقال إن البنك وأمريكا على استعداد لمساعدة الاقتصاد المصري بشرط أن يسير في الطريق الصحيح. ثم أعلن عن زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون إلى مصر في 19 يونيو 1974. وتحسبا لهذه الزيارة، صدر عن مجلس الشعب المصري يوم 9 يونيو وفي يوم وليلة قانون حماية رأس المال الأجنبي. ولما جاء نيكسون، وكان معه وزير الخزانة الأمريكي في 19 نوفمبر، التقاه عبد العزيز حجازي، وزير المالية المصري، وقال له حجازي نحن نتطلع إلى مساعدات أمريكية بعد اقتصاد الحرب، فقال الأمريكي: لا يمكن مساعدة الاقتصاد المصري وهو تحت القطاع العام.. المطلوب تصفية القطاع العام، أي تصفية دور الدولة في الاقتصاد، وهذا ما تم على خطوات لفتح السوق المصرية أمام المنتجات الأمريكية، وإعادة تبعية السوق المصري للدولار الأمريكي.
-فى هذه الأيام، تمر مصر بمراحل اقتصادية وسياسية حرجة، وتشتعل المنطقة، ويمور الإقليم من حولها، فهل أصبحت حرب أكتوبر ذكرى من الماضى؟
تجدد القتال مع إسرائيل أمر وارد، وهذا ما تحول الولايات المتحدة دون قوعه بإدخال كل الأطراف العربية في الأجندة الأمريكية-الإسرائيلية بمختلف الطرق والوسائل مع نفي فكرة العروبة والتضامن العربي. وما موقف أمريكا من سوريا إلا لعزل بشار الذي يرفض توقيع معاهدة مع إسرائيل على موديل السادات-بيجين، فالمطلوب عزله، والإتيان برئيس يقوم بهذا، وساعتها تقوم لبنان بتوقيع اتفاقية مماثلة.
-هل تعتقد أن مصر يمكن أن تدخل حروبا أخرى، أم أن حرب العاشر من رمضان هى آخر الحروب؟
لا أحد يستطيع التنبؤ بالمستقبل، لكن إسرائيل- بوساطة أمريكية- نجحت في تقييد مصر بمعاهدة 1979، ومنعها من القيام بأي حرب للتخلص من معاهدة تقيد حق سيادتها على أراضيها في المنطقة (ج) من سيناء، أي الحدود مع إسرائيل، حين تنص على أن هذه المنطقة التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي لا يحق لمصر أن تضع فيها دبابات، أو صواريخ، أو كاميرات مراقبة، في الوقت الذي يحق فيه لإسرائيل أن تضع أسلحة ثقيلة في منطقتها الحدودية مع مصر (المنطقة د)، بل إن المطارات العسكرية التي أنشأتها إسرائيل في سيناء المحتلة لا تستخدمها مصر كمطارات حربية، بل تكون مطارات تجارية لكل دول العالم، بما فيها إسرائيل.