سد النهضة .. وحروب المياه

بقلم/ محمد عبد المنصف

بات واضحا أن مصر أصبحت على أبواب حرب مياه على غرار حرب 56 التي قامت أساسا بهدف تنصل إسرائيل من اتفاقية تقاسم مياه نهر الأردن التي كان يرعاها مبعوث الرئيس الأمريكي “أيزنهاور” خبير المياه التي تم الاتفاق عليها بين المملكة الأردنية الهاشمية وإسرائيل عام 1955، والتي كانت تقضي بأن يذهب 55% من مياه النهر للأردن، و26% لإسرائيل، و9% للبنان، والباقي لسوريا، ومع ذلك لم يتم التصديق على الخطة، وبدلاً من ذلك قامت الحرب التي سمحت بأن تقوم كل دولة متشاطئة على النهر بإقامة مشاريع أحادية الجانب، متجاهلة الحصص المخصصة لكل منهم.

ونظراً لأن الأردن دولة مصب في حوض نهر الأردن، فإن إسرائيل وسوريا كانتا تستخرجان كميات كبيرة من المياه عند المنبع، بما لا يسمح للأردن بالحصول على حصة عادلة من المياه، بل تدهور منسوبه في نهر الأردن السفلي بشكل كبير. وكأن التاريخ يُعيد نفسه، فقد رفضت إثيوبيا التوقيع على اتفاقية تقاسم المياه التي رعتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد الانتهاء من 90% من بنودها، وقررت البدء خلال شهر يوليو “أي خلال أقل من 50 يوم” البدء في تخزين المياه أمام سد النهضة الإثيوبي بصرف النظر عن حجم الضرر الذي سيلحق بدولتي المصب مصر والسودان.

وبالرغم من أن صور الأقمار الصناعية للسحب تشير إلى احتمالية أن يحمل هذا الموسم فيضان عالى المستوى، إلا أن هناك حقيقتان لابد من الإقرار بهما، الأولى هي انخفاض حصة مصر من مياه النيل، علماً بأن حجم العجز الحالي، بصرف النظر عما ستسفر عنه مفاوضات السد، يفوق 21 مليار متر مكعب من المياه، وغير معلوم كم سيرتفع ذلك العجز مع بدء ملء خزان السد. أما الحقيقة الأكثر أهمية وخطورة، فهي أن قوة سقوط الأمطار على هضبة الحبشة تقدر بحوالي “500 ضغط جوي”، وهي قوة تعادل مئة ضعف قوة ضخ المياه التي أسقطت خط بارليف، لذلك كانت قادرة على دفع المياه أكثر من 2500 كيلومتراً طولي حتى تصل إلي رأس البر، نقطة التقاء النهر بالبحر المتوسط، بالرغم من استواء مستوي سطح الأرض في بعض المناطق السودانية.

فإذا توقفت المياه أمام السد للتخزين فإن قوة اندفاعها ستصبح صفراً، وعندما يتم إطلاقها لإدارة توربينات توليد الكهرباء فإنها ستخرج بقوة ضعيفة لن تسمح بأي حال من الأحوال باستمرار تدفقها إلى مصر، وهنا مكمن الخطر، فقد تنتهي المفاوضات بحصول مصر على حصة كبيرة من المياه ولكنها لن تصل إليها بأي حال من الأحوال. وحتى مع تقدم مصر بشكوى إلى الأمم المتحدة مؤخرا فإن الوصول إلى حل حاسم في هذه القضية يتطلب عدة شهور وربما عدة سنوات تكون مصر قد خسرت فيها كل شئ. ويبدو أن الأشقاء السودانيين قد استشعروا الخطر مؤخرا فتغيرت لغتهم، حيث أعلن الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني رفضه طلب إثيوبيا بتوقيع إتفاق مع السودان بشأن الملء الأول لبحيرة سد النهضة، قبل التوصل لاتفاق ثلاثي بين الخرطوم وأديس أبابا والقاهرة، معتبرا أن توقيع أي اتفاق جزئي للمرحلة الأولى لا يمكن الموافقة عليه نظراً لوجود جوانب فنية وقانونية يجب تضمينها، أهمها التأكد من عدم انهيار السد مستقبلا، ومراعاة الآثار البيئية والاجتماعية، وتبادل البيانات بشفافية بين الدول الثلاث، وهو موقف جيد وإن كان متأخراً.

فقد ظل موقف السودان طوال المفاوضات مدافعا عن السد، ومؤكداً أنه سيعود بالخير على السودان. وفي واقع الأمر أننا في حاجة إلى حلول غير تقليدية لكسر الجمود الفكري الذي تعاني منه المفاوضات الثلاثية والتي لن تجنى نتائجها السلبية سوى شعوب وادي النيل التي طالما عانت من استنزاف مواردها دون أن تتحقق تنمية حقيقية على أرضها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.