ظاهرة الفتاوى .. إلى أين؟

كتب/ د. خليل سامى مهدى

كثرت الفتاوى، وتعدد المفتون من حولنا، سواء عن علم أو بجهل، حتى يمكن أن نسمي هذا العصر الذي نعيشه بعصر “مهرجان الفتاوى”. ولما كانت الفتوى بياناً لحكم الله عز وجل في الوقائع والأحداث، فهناك من الناس من سيتبع هذا المفتي أو ذاك فيما قاله من أحكام.

ففي الآونة الأخيرة زادت الفتاوى الصادرة عن أكثر الطوائف ثقافة في المجتمع المصرى والذين يمثلون القدوة بالنسبة للآخرين، فمنهم المفكرين والمبدعين في أعمالهم المتسمة بالثقافة الدينية المتخصصة في مجال الفتاوى. وعلى الرغم من أن كل منهم لا يجرؤ على التدخل في غير تخصصه وإبداء الرأي فيه إلا بعد الاطلاع والبحث بشأن ما يود إبداء الرأي فيه تجنباً للانتقاد من قبل أهل الاختصاص قدر الاستطاعة، إلا أن بعضهم يسارعون بإبداء الآراء الفقهية المتعلقة بأحكام الشريعة الإسلامية وكأنه أمر بديهي، بينما إبداء الرأي في أي مسألة تتعلق بالشريعة الإسلامية تحتاج إلى أن يكون على درجة عالية من الإلمام بأحكامها، والتي لا تتوافر إلا لدى العلماء والفقهاء لكونهم ملمين بأحكام القرآن والسنة، ومن ذلك الناسخ والمنسوخ في القرآن، وأسباب النزول، والنحو والصرف، وكذلك الصحيح من الأحاديث والضعيف منها والمجروح، وغير ذلك من الأحكام سواء كانت المتعلقة بالعقيدة أو بغيرها. فمن أقدم على الفتوى من غير تثبت ولا بحث في الأدلة فقد تسبب في إدخال نفسه النار لمغبة الفتوى، فلا تجوز الفتوى إلا عن علم. فالفتوى أمرها عظيم، وخطرها كبير، والدليل على ذلك ما يلى:
1- الحديث المرسل عن النبي ﷺ أنه قال: (أجرأهم على الفتيا أجرأهم على النار).

2- قول الله سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)، الأمر الذي يكون معه القول على الله بغير علم فوق مرتبة الشرك؛ لعظم الخطر.

3- قول الله سبحانه وتعالى عن الشيطان: (إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ). مما يعني أن الشيطان يأمر بالقول على الله بغير علم.

ومن هذا المقام أدعو المثقفين إلى التوجه للثقافة الإسلامية للاستزادة منها، فهي لن تقلل من شأنهم، وإنما ستثقل توجههم الثقافي أياً كان نوعها من ناحية، ومن ناحية ثانية تجنبهم المخاطرة بإبداء وإصدار الفتاوى على عواهلها دون إلمام بأحكام شريعتنا الغراء، أما الناحية الثالثة فإنهم سفراؤنا في كافة المحافل الدولية، وهم القدوة باختلاف طوائفها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.