” كعك العيد” عند قدماء المصريين

توزيعه عند المقابر أبرز عادات المصرى القديم

زينه الإخشيديون وخصص له الفاطميون مصنعاً

 

بقلم/ ملك عبدالله سمرة

عضو اتحاد الأثريين المصريين

ظهر كعك العيد منذ عهد الفراعنة، وقد وردت صور مفصلة لصناعة كعك العيد فى مقابر طيبة ومنف من بينها صور على جدران مقبرة (رخمي – رع) من الأسرة الثامنة عشر، وكان الخبازون في البلاط الفرعوني يتقنون صنعه بأشكال مختلفة كاللولبي والمخروطي والمستطيل والمستدير حتى وصلت أشكاله إلى ما يقرب من 100 شكل نُقشت بأشكال متعددة، وكانوا يشكلون الكعك على شكل أقراص أو بمختلف الأشكال الهندسية والزخرفية، وكان عسل النحل يُخلط بالسمن ويُقلب على النار ثم يضاف على الدقيق ويُقلب حتى تصبح عجينة يسهل تشكيلها بالأشكال التي يريدونها ثم يُرص على ألواح الاردواز ويوضع في الأفران، كما كانت بعض الأنواع تُقلى في السمن أو الزيت، والبعض يصنعه على شكل حيوانات أو أوراق الشجر والزهور ولا تختلف كثيرا عما هو مألوف حاليا.

ويؤكد علماء المصريات أن المواطن المصري الحالي يعيش بعادات وتقاليد وقواعد أجداده المصريين القدماء، والسطور التالية تبحث عن أصل أكل “الرنجة” وتوزيع الكحك في العيد وأصل أشهر عادات الاحتفال بالعيد عند المصريين.

في هذا الإطار، أكد الدكتور وسيم السيسي، الباحث في علم المصريات، أن “المصريين القدماء هم أول من عرفوا تقويم السنة الشمسية، وكانوا يحتفلون بالأعياد آخر 5 أيام في السنة، وأن التقويم الشمسي هو أقدم تقويم في البشرية أهدته مصر للعالم”، مشيراً إلى أن “أول يوم في العيد كان يُسمى عيد “أوزوريس” ومن أبرز مظاهر الاحتفال فيه زيارة الموتى وتوزيع الكعك”.

وقال السيسي، إن “ثاني يوم في الاحتفالات بالأعياد عند المصريين القدماء كان يُسمى عيد “ست”، وهو عيد الشراب والنبيذ، مشيراً إلى أن “الفراعنة هم أول من صنعوا النبيذ من العنب”. ولفت عالم المصريات إلى أن ثالث أيام العيد كان يسمى عيد “حورس” وكان الفراعنة يخرجون فيه بالمراكب في النيل ويستمتعون بالرقص على الأغاني والموسيقى، بينما كان “إيزيس” هو اسم رابع أيام الاحتفالات، وفيه كان يتم ختان الذكور، وخامس أيام العيد كان باسم الملكة “نفتس” وهو عيد الزهور، موضحاً أن الملكة “نفتس” كانت رمز الأناقة والجمال.

وأكد الدكتور وسيم السيسي، أن “الفراعنة عرفوا كحك العيد والنقش عليه، وكانت أبرزها نقشة الشمس التي ترمز إلى الإله”، مشيرا إلى أن “المصري القديم آمن بالموت، وأن بعد الموت حياة أخرى فتصعد الروح إلى السماء والقرين يظل في جسد المتوفي، لذلك يوزع الكحك عند المقابر”. وقال: إن “كلمة “كعك” كلمة مصرية فرعونية، ومنها انشقت كلمة “عك” والتي توصف أي وضع فيه أخطاء كثيرة دليل على العجن والتغيير المستمر في الأمور”، مشيرا إلى أن “المواطن المصري الحالي يعيش بعادات وتقاليد وقواعد أجداده المصريين القدماء”.

وأضاف السيسي، إلى أن “أكل الرنجة والفسيخ في العيد من العادات الفرعونية الأصيلة”، مشيرا إلى أن “اختيار الرنجة تحديداً عند المصري القديم يرجع إلى أن السمك فيه بويضات، والبيض يرمز إلى الحياة”.

وتابع: “الفراعنة كانوا يقدمون الأكل المحفوظ إلى القرين الموجود في جسد المتوفي في احتفالاتهم بأول أيام العيد، لاعتقادهم في الحياة الثانية بعد الموت”، مشيرا إلى أنه لم تكن هناك وسيلة لحفظ السمك غير “التمليح” ومن هنا كانت “الرنجة”.

وقد أولت الدولة الطولونية (868-905م) اهتماماً بمظاهر الاحتفال بعيد الفطر وما يصنع فيه من كعك وحلوى، حيث اهتموا بشكل كبير بصناعة الكعك والحلوى التي ارتبطت بهذا العيد فخصصوا لصناعة الكعك قوالب مخصوصة لصناعته نقش فيها عبارة “كل واشكر”.

أما في عهد الدولة الإخشيدية ( 935-969م ) فزادت مظاهر البذخ في الاحتفال بعيد الفطر، لدرجة أن الوزير “أبوبكر المادرالي” كان يحشو كعك العيد بالدنانير الذهبية ويوزعه على الناس، وسماه بكعك “أنطونلة”.

ثم أتت الدولة الفاطمية بمزيد من الاهتمام والاستعداد لعيد الفطر وكان هذا من عادة الدولة الفاطمية، حيث اهتم الخلفاء الفاطميون بالمناسبات الدينية وأبدعوا في أصناف الطعام. ومن أجل ذلك أنشأ الخليفة العزيز بالله مصنعاً مخصصاً لصناعة حلوى عيد الفطر وأسماه “دارة الفطرة” كانت تتفرغ لصنعها بداية من منتصف شهر رجب وملء مخازن السلطان به، وكان الخليفة يتولى توزيعه بنفسه، ويخصص ما يقرب من 20 ألف دينار من أجل صناعة كعك العيد، وكان يوزع على جميع موظفي الدولة وتقام الموائد الضخمة في قصر الخلافة.

كما اهتم كذلك خلفاء الدولة الفاطمية بكسوة الشعب وتوزيع الملابس الجديدة عليهم بمناسبة عيد الفطر، حتى أنهم أطلقوا على عيد الفطر اسم “عيد الحلل”، حتى أن الخليفة الفاطمي سنة 515هـ قد خصص لذلك 16 ألف دينار لتقديم الكساء للشعب في عيد الفطر المبارك. كما برع الفاطميون في صناعة الغُريبة، والبيتي فور، والبسكويت، والمعمول، وغيرها من حلويات العيد المختلفة، وهي المأكولات التي ظلت موجودة حتى وقتنا الحاضر.

وبالطبع استمرت عادة صناعة الكعك وحلوى العيد في العصر العثماني (1261-1517م)، واهتم سلاطين العثمانيين بتوزيع الكعك في العيد على المتصوفين والتكيات والخانقات، المخصصة للطلاب والفقراء ورجال الدين وظل التراث العربي معبراً عن حاله حتى يومنا هذا خاصة بمصر وبلاد الشام بحكم الارتباط الجغرافي والتاريخي بحسب الباحث الأثري سامح الزهار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.