قناة السويس .. تاريخ في مرمى التطوير

كتبت: ملك عبد الله سمرة – باحثة أثرية

يُعد المصريون القدماء أول من شق قناة تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر عن طريق نهر النيل وفروعه، وكانت أول قناة أنشأها سنوسرت الثالث، أحد ملوك الأسرة الثانية عشرة عام 1874 ق.م.، ثم أُهملت وأُعيد افتتاحها عدة مرات تحت أسماء مختلفة منها: قناة سيتي الأول عام 1310 ق.م.، فقناة دارا الأول عام 510 ق.م.، ثم قناة بطليموس الثاني عام 285 ق.م.، وقناة الرومان في عهد الإمبراطور تراجان عام 117، وقناة أمير المؤمنين عام 640 بعد الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص، وظلت 150 عاماً إلى أن أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بردم القناة التي كانت تصل بين الفسطاط والسويس، وسدها من ناحية السويس منعاً لأي إمدادات من مصر إلى أهالي مكة والمدينة الثائرين ضد الحكم العباسي، وبعدها فتحها هارون الرشيد لفترة ثم رُدمت من جديد، ثم أغلق الطريق البحري إلى الهند وبلاد الشرق وأصبحت البضائع تنقل عبر الصحراء بواسطة القوافل، وأغلقت القناة حتى عام 1820، وعندما اكتشف البرتغاليون طريق رأس الرجاء الصالح في بداية القرن السادس عشر الميلادي تغيرت معه حركة التجارة العالمية.

ومنذ افتتاحها في 17 نوفمبر 1869 مرت القناة بمراحل تاريخية وشهدت تطورات وأحداثًا كبرى كان أبرزها قرار التأميم الذى أعاد الحقوق لأصحابها، وتعرضت للإغلاق بعد حرب عام 1967، وتم افتتاحها فى يونيو 1975. فقناة السويس تحظى بأهمية كبيرة في مجال الملاحة البحرية على مستوى العالم بشكل عام، ومصر بشكل خاص، إذ تُمثل القناة أقصر طريق يربط بين الشرق والغرب، كما تشكّل حلقة الوصل بين مدينة السويس المُشرفة البحر الأحمر، ومدينة بورسعيد المُطلّة على البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى ذلك تُعدّ قناة السويس أسرع طريق للعبور بين المحيط الأطلنطي والمحيط الهندي.

أشارت بعض الدراسات إلى الأهمية التجارية لقناة السويس، إذ أن القناة أدت إلى زيادة حركة النقل التجاري، مما قلّل من حركة النقل التجاري البحري عبر الطرق الأخرى على مستوى العالم أجمع، حيث تسيطر قناة السويس على ما يقرب من 8% من إجمالي حركة الشحن التجاري عبر العالم، إذ ينتقل عبرها نحو 900 مليون طن من البضائع سنوياً، بالإضافة إلى نحو 2.5% من إنتاج النفط العالمي. وتسهم الأهمية الاقتصادية لقناة السويس بشكل كبير في اقتصاد مصر، فهي تلعب دوراً مهماً في زيادة الدخل القومي، وذلك من خلال مصدرين رئيسيين، إذ يتمثل المصدر الأول في الرسوم التي تُؤخذ مقابل عبور السفن من هذه القناة المائية، أو الإيرادات التي تقدمها شركة قناة السويس البحرية للدولة، أما مصدر الدخل الآخر الذي تُشكّله فيتمثّل في المبالغ المالية التي ينفقها ركاب السفن العابرة أثناء فترات التوقف القصيرة في أي من الموانئ المائية الموجودة على طول القناة، وذلك لقاء حصولهم على بعض الخدمات والبضائع.

قناة السويس تسجل أرقاماً قياسية في الإيرادات وحركة السفن

عرقلة حركه القناة تُصيب الدخل القومي

لم تكن السفينه الجانحة “إيفر جيفن” وحدها التي عرقلت حركه التجاره والملاحة في قناه السويس، فـهذا الحدث أصاب القناة‍ عدة‍ مرات. فمنذ افتتاح القناة عام 1869 في حفل مهيب وبميزانية ضخمة، وحتى وقتنا الحالي، تأثرت قناة السويس منذ إنشائها بالعديد من التقلبات السياسية والحروب على مر العصور التي أدت إلى تعرضها للإغلاق 8 مرات ليس كلها بسبب الحروب أو الأزمات السياسية فقط بل بسبب جنوح سفينة أو ناقلة أو بسبب العوامل الجوية. فالمرة الأولى التي أُغلقت فيها قناة السويس أمام حركة الملاحة وعبور السفن، كانت بعد افتتاح قناة السويس بـ 13 عام، وذلك في أعقاب الثورة العرابية في عام 1882، نتيجة الأحداث التي شهدتها البلاد والمقاومة العرابية لمنع الاحتلال الإنجليزي لمصر، ودامت لمدة يومين.

وأُغلقت أيضًا في فبراير عام 1915، حيث توقّفت الملاحة في القناة بسبب الحرب العالمية الأولى وغرق عدد من السفن في بوغاز بورسعيد. وأثناء الحرب العالمية الثانية في الفترة من 28 أغسطس 1940 إلى 27 يوليو 1942. وأيضًا في سبتمبر 1952 بسبب غرق إحدى السفن عند الكيلو 85 في القطاع الشمالي بالقرب من مدينة بورسعيد.

ثم في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 حين أغرق داخلها 48 سفينة وقاطرة وقطعة بحرية، وأُعيد افتتاحها في عام 1957. وكان الإغلاق الثامن، عقب حرب 5 يونيو 1967، وهو ما تسبب في توقف قناة السويس ومنع مرور السفن فيها لمدة 8 سنوات، بدأت من 5 يونيو 1967 وحتى 4 يونيو 1975، وهي الفترة التي تكبد العالم فيها خسائر فادحة بسبب إغلاقها، مما اضطر السفن إلى اللجوء إلى طريق رأس الرجاء الصالح والمرور حول إفريقيا. وفي 5 يونيو عام 1975، أعاد السادات افتتاح القناة للمرة الثانية، وأُعيدت الملاحة لقناة السويس، وبدأ السادات الحفل بكلمات قائلًا “إنني أتوجه إلى العالم كله، هذا هو شعب مصر وإرادته وقوته وصلابته، نفتتح اليوم الافتتاح الثاني لأحدث ما في العالم من تكنولوجيا وهي قناة السويس، بسم مصر أقول للعالم كله أننا نفتتح قناتنا شريانًا للرخاء والسلام والمحبة، بلا تفرقة أو عوائق” .

وبعد كل غلق شهدته القناة‍ تسترجع الدولة قوتها بشدة‍ لتعاد حركة الملاحة بكل قوة من جديد بعد حادثة السفينة الجانحة في القناة عبر إزالة جوانب القناة وتوسيع نطاق التجريف والحفر للوصول بها إلى عمق 18 مترًا، لتسهيل عملية الإنقاذ بسلام وتعويم السفينة بأيدي مصرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.