نتنياهو بين مطرقة الصدمة الترامبية وسندان الحسابات الإسرائيلية …! بقلم: د. عبد الرحيم جاموس

نتنياهو بين مطرقة الصدمة الترامبية وسندان الحسابات الإسرائيلية …!
بقلم: د. عبد الرحيم جاموس

لم تكن زيارة بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، يوم الإثنين الماضي 7/4/2025 م ، سوى صفحة رمادية في كتاب العلاقة الإسرائيلية–الأميركية، طبعها الرئيس دونالد ترامب بطابعٍ شخصي لا يخلو من البراغماتية الصادمة، على الرغم من الاستقبال الحار والبروتوكول الفخم ، لكن خلف أبواب البيت الأبيض، لم يتلقَّ نتنياهو ما جاء يسعى إليه، بل عاد محملاً بخيبة امل سياسية ثقيلة… تمثل صدمة “ترامبية” لم تكن في الحسبان او التوقع من قبل رهانات نتن ياهو على الرئيس ترامب .
نتنياهو، الذي وصل مُنتشياً بما يروّج له من “انتصارات” على حركة حماس في غزة و على حزب الله في لبنان، كان يأمل أن يجد في ترامب ظهراً حامياً وسندا للهجوم المرتقب منه على على طهران، وحلاً سحرياً لعقدة الرسوم الجمركية التي ستثقل كاهل الاقتصاد الإسرائيلي مستقبلا .
لكنه اصطدم بوجه آخر للرئيس ترامب ، وجه المفاوض الباحث عن صفقة تحقق مكاسب اقتصادية لا عن حرب مكلفة وغير مستعداً لها ، باحثا عن مكاسب لا عن مغامرات.
فجاء إعلان الرئيس الأميركي عن انطلاق مفاوضات مباشرة مع إيران في مسقط يوم السبت القادم 12 نيسان الجاري و تزامناً مع زيارة نتنياهو واجتماعه به واركان ادارته وخاصة مبعوث ترامب للشرق الاسط السيد ويتكوف ، حمل في طياته رسالة مزدوجة تقول : ( لا حرب الآن… ولا مزيد من التسهيلات) .

إذا استثمر ترامب هذا اللقاء لصالحه هو ولصالح سياساته المنتظرة ، فقد أراد أن يبلغ نتنياهو شخصياً، لا عبر القنوات الديبلوماسية ، بأن القرار الأميركي بالمضي قدماً في الحوار مع إيران قد اتُخذ وأن عليه اي على نتن ياهو وإسرائيل ، كحليف، أن يلتزم حدود اللعبة لا أن يخلط أوراقها.
ترامب بخطوته هذه، رمى كرة اللهب في حضن نتنياهو، مذكراً إياه بأن إسرائيل، رغم وزنها، ليست صاحبة الكلمة العليا في صياغة الاستراتيجية الأميركية، لا تجاه إيران ولا تجاه غيرها.
أما التكهنات والإحتمالات المتوقعة فتصبّ في اتجاهين: الأول، في إمكانية التهدئة في المنطقة، لا سيما على جبهة إيران، ما قد ينعكس بوقف أو تخفيف العدوان الإسرائيلي على غزة، وربما يفرمل اندفاعة نتنياهو نحو تصعيد شامل ضد غزة خاصة وضد الفلسطينيين بصفة عامة .
و الإحتمال الثاني، أن يصاب نتنياهو بجنون العظمة المهزومة، فيذهب لمغامرة غير محسوبة، في غزة أو لبنان، علّه يعيد ترميم صورته المتآكلة أمام جمهوره وداخل حكومته.
لكن في البُعد الأوسع، فإن هذه الصدمة قد تفتح فجوة في جدار العلاقات الأميركية–الإسرائيلية، وتجعل إسرائيل تدرك، ولو جزئياً، أن المصالح الأميركية ليست رهينة الأجندة الصهيونية الإسرائيلية في الشرق الاوسط ، وهذا بدوره ينعكس على مستقبل العلاقة الأميركية–العربية، خاصة في ظل زيارة ترامب المرتقبة إلى السعودية منتصف الشهر القادم ، والتي تكتسب أهمية خاصة و استثنائية، ليس فقط لأهدافها الاقتصادية أو الاستراتيجية التقليدية، بل لأنها تأتي في توقيت حرج، تُعيد فيه المملكة العربية السعودية تصدّر المشهد السياسي العربي والدولي، من بوابة دعم حل الدولتين، بالشراكة مع فرنسا.
السعودية، التي باتت تقود مع باريس تكتلاً دولياً للدفع باتجاه تسوية شاملة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، تستعد لعقد مؤتمر دولي في الولايات المتحدة، برئاستها المشتركة مع فرنسا في حزيران القادم، لإعادة إحياء حل الدولتين على أسس واضحة، بما يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية مركزية في النظام الدولي و لدى العرب خاصة .
من هنا، فإن زيارة ترامب المرتقبة إلى الرياض لن تكون بروتوكولية ولا محصورة بالصفقات التجارية، بل ستكون اختباراً حقيقياً لمواقفه بعد “طعنة” واشنطن لنتنياهو.
فهل سيُعيد الرئيس الأميركي التموضع بذكاء داخل الإقليم العربي والشرق اوسطي ، ويمد يده مجدداً لحلفائه العرب باعتبارهم شركاء في رسم مستقبل المنطقة؟
أم أن إسرائيل ستُجهز رداً ميدانياً أو سياسياً، في محاولة لإفساد ما بدأ يتشكل من محور دولي داعم للحقوق الفلسطينية؟
باختصار، لقاء واشنطن لم يكن نصراً لنتنياهو، بل انكساراً ناعماً بحفاوة رسمية.
أما ترامب، فقد خرج منه بصفقة سياسية تمهّد له طريقاً أقل وعورة نحو الخليج العربي خاصة والعرب عامة ، وتجعل من إيران خصماً تفاوضياً لا عدواً وجودياً، وتفتح أمامه بوابة الرياض كمدخل جديد إلى الشرق الأوسط… حيث المصالح أولاً، لا الشعارات.
د. عبدالرحيم جاموس
الرياض 9/4/2025 م
Pcommety@hotmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *