الهندسة الوراثية… إلى أين؟ بقلم: د. أشرف الكواكبي

الهندسة الوراثية… إلى أين؟
بقلم: د. أشرف الكواكبي

في ظل التطور المذهل للعلوم الحديثة، تقف البشرية اليوم أمام مفترق طرق خطير؛ مفترق قد يفتح أبوابًا للنهضة والتقدم، أو ينزلق بنا إلى هاوية لا يعلم مداها إلا الله. أحد أبرز هذه الاتجاهات هو علم الهندسة الوراثية، الذي لم يعد مقتصرًا على التعديل الجيني للنباتات أو علاج الأمراض، بل تجاوز ذلك ليطال إعادة إحياء كائنات انقرضت منذ آلاف السنين.

ففي تجربة حديثة أُعلن فيها عن إعادة إحياء ذئب عاش قبل عشرة آلاف عام باستخدام بقايا حمضه النووي، وقف العالم مدهوشًا بين مُعجب ومتحفّظ، لكنني — ومن وجهة نظري المتواضعة — أرى أن مثل هذه التجارب تخفي وراءها نوايا لا يمكن التغافل عنها.

لقد اعتدنا عبر التاريخ أن بعض الكيانات الكبرى التي تقود مثل هذه المشاريع العلمية لا تبحث فقط عن المعرفة، بل تتخذ من العلم وسيلة للسيطرة. رأينا ذلك سابقًا في تصنيع فيروسات وأوبئة حصدت ملايين الأرواح، بحجة التخفيف من التعداد السكاني أو تحقيق “العدالة البيئية”، بينما في الحقيقة، كانت تلك أفعالًا تُدار من خلف الستار، ضمن مخططات أكبر وأخطر.

فهل يمكن أن تكون إعادة هذه الكائنات المنقرضة، مثل الذئاب أو الماموث، تجربة بريئة؟
الأمر لا يخلو من المخاطر: إعادة تشكيل الحمض النووي قد يؤدي إلى طفرات جينية غير متوقعة. هذه الكائنات قد تحمل في أجسامها أمراضًا قديمة نُسيت منذ قرون، أو ربما تطور أمراضًا جديدة بفعل العبث الجيني. وربما، لا يكون الهدف المعلن هو الحقيقة الكاملة، بل جزءًا من سيناريو أوسع.

ويُبرَّر أحيانًا هذا التوجه بأنه محاولة لاستعادة التوازن البيئي، خاصة في ظل التوقعات المقلقة بانقراض 30 إلى 50% من الحيوانات الحالية بحلول عام 2050 بسبب تغير المناخ، ولكن هل الحل يكون بإحياء الماضي؟ أم أننا نحاول التلاعب بسُنن الكون دون فهم العواقب؟
بل وأذهب أبعد من ذلك — ولعل البعض يظنه خيالًا — ما الضامن أن هذه الكائنات لم تكن موجودة أصلًا في أماكن لم تُكشف بعد، مثلما يُثار حول “الجدار الجليدي” في القطب؟ قد تكون هذه الكائنات مستحضَرة من هناك، وتُعرض علينا على أنها نتيجة تجارب علمية خارقة، تمهيدًا لتطبيع الخيال، ثم تهيئة العقول لتصديق أكاذيب أكبر تحت اسم “معجزات العلم”.
في النهاية، العلم سلاح ذو حدين. بين يدي الصالحين، يُنقذ الأرواح ويعالج الأمراض. أما في يد الطامعين، فقد يُستخدم لتقويض الطبيعة نفسها، وفرض واقع جديد على البشرية. لذا، علينا أن نكون أكثر وعيًا، وأن نتساءل دائمًا:
لمن هذا العلم؟ ومن المستفيد؟ وأين حدود العبث بمفاتيح الحياة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.