رحلة الوجدان… بين حكمة العقل ونقاء القلب
كاتبه الاحساس…. سلمي الفلاح
من أشد ما يُبتلى به الإنسان في حياته، ليست بالضرورة المصائب الظاهرة، ولا حتى خساراته العلنية…
بل ربما يكون البلاء الأعمق والأكثر تعقيدًا هو تلك الرحلة الوجدانية التي يخوضها بصمت، حين يولد بعقلٍ ناضج، يزن الأمور بميزان الحكمة، يرى ما وراء الكلمات، ويفهم خفايا السلوك.
إنه عقلٌ لا يُخدع بالمظاهر، ولا تغرّه العبارات المنمقة.
يقرأ الصمت كما يقرأ الضجيج، ويحفر في أعماق التفاصيل ليستخرج الحقائق المختبئة خلفها.
ولكن ما يجعل هذه الرحلة مؤلمة بحق، أن يُرافق هذا العقل الواعي قلبٌ عاطفيٌّ شفاف، لا يعرف الحِيَل، ينبض بالصدق، ويحنّ لكل نبض إنساني.
قلبٌ يتألم لأبسط انكسار، ويتأثر بنداء غير مسموع، ويذوب في لحظة صدق، حتى وإن كانت عابرة.
يتشكل داخل هذا الإنسان مزيجٌ نادر من بصيرة فيلسوف وشفافية طفل.
يعيش في حالة من التناقض الداخلي، بين منطق لا يرحم، ومشاعر لا تتوقف عن العطاء.
فهو يعلم تمامًا أن بعض القلوب تكذب حين تقول “أحبك”، وأن بعض الأفعال تُفضح حتى وإن تخفت خلف كلماتٍ رقيقة.
هو ذلك الإنسان الذي يرى، ويفهم، ويشعر…
ولكنه في أعماقه يتألم، لأنه لا يستطيع أن يتجاهل، ولا أن يُقسّي قلبه، ولا أن يُنكر ما يراه واضحًا كالشمس.
تلك الرحلة الوجدانية، رغم وجعها، هي ما تصنع الأرواح النادرة.
تلك التي تُحب بصدق، وتفهم بعمق، وتمنح دون حساب، لكنها تتألم بصمت.