الأزهر ودوره العالمي فى تحصين الفكر من الغلو والتطرف

بقلم/ د. عزة فتحي

أستاذ مناهج علم الاجتماع بجامعة عين شمس، مسئول اختيار محتوى مجلة نور للأطفال المسلمين باللغات الأجنبية

لكل دولة قواها الناعمة أو الذكية، والأزهر الشريف من أهم هذه القوى لمصر لما له من دور، لو تعلمون عظيم، فى تعزيز الوسطية والدفاع عن الإسلام ونشر قيم التسامح والسلام.
فبلا شك، فإن الدين الإسلامى هو دين الوسطية، حيث يقول المولى عز وجل فى سورة البقرة آية 143 «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا»..
والوسطية تعنى الأوسط بين الطرفين وتعنى فى الشرع التوسط بين الإفراط والتفريط.
والإسلام يحذر من التطرف والغلو، حيث قال الرسول الكريم : “إياكم والغلو فى الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين” أخرجه النسائي فى المختبئ 3057″، وإن الغلو والتشدد فى الدين هما الطريق إلى الهلاك، حيث قال الرسول “هلك المتنطعون”«أخرجه مسلم فى صحيحه 2670». فاليسر والسهولة والاعتدال من سمات الشريعة الإسلامية لذلك وصفت بالشريعة السمحة. فقال الله تعالي فى سورة البقرة آية 185 :” يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”، ويقول رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم:« بعثت بالحنيفية السمحة» “أخرجه الإمام أحمد فى مسنده”.
فكيف لهذه الفرق الضالة داعش وغيرها بالتشدد؟ هل لها دين غير الإسلام؟ هل من دين يبيح القتل والحرق؟ هل من دين يبيح تصدير الخراب؟ ما جاء الإسلام أبدا لترويع الناس.
ولذلك أنشئ المرصد العالمى للأزهر ليرصد كل أشكال التطرف الفكر الهدام أيا كانت فى كل العالم، مثلما يحدث من اضطهاد المسلمين الروهينجا.
إن  الأزهر كان سباقا فى الوصول إليهم وإيجاد كل السبل لحل المشكلة. كما أن المرصد يرد على كل الفتاوى المتشددة الخاصة بالجماعات المتأسلمة بالبراهين الشرعية والفقهية بكل لغات العالم، نذكر منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأردية وغيرها، ويعقد الورش التدريبية، والندوات والمؤتمرات لتصحيح المفاهيم المغلوطة، ويقوم مركز الرحمة بالأزهر بترجمه القرآن إلى لغات العالم وترجمة الكتب الهامة والتفاسير، كما يقوم الأزهر بمساعدة الجاليات المسلمة فى كل العالم.
أما رابطة خريجى الازهر، فلها أنشطة عديدة، نذكر منها إصدار مجلة نور للأطفال باللغة العربية لنشر قيم الوسطية والتسامح، وإصدار المجلة باللغة الإنجليزية للاطفال المسلمين فى الدول الأجنبية، والتى أشرف علي اختيار محتواها، وقريبا باللغتين الفرنسية والأردية، إلى جانب الندوات والمؤتمرات لنشر الوسطية وتصحيح المفاهيم.
أما فيما يتعلق ببيت العائلة المصرية، وهو كيان تابع للأزهر بالاشتراك مع الكنيسة المصرية، فإنه يهدف إلى نشر قيم المواطنة والسلام ، والتسامح والتعايش ..هذا باختصار شديد بعض من دور الأزهر الشريف، قلعة الوسطية فى العالم.
ولو تعلمون، فإنه دور عظيم لأزهرنا الشريف الذى نفخر به عبر العصور. إنه إحدى أهم قوانا الذكية، أى الناعمة.. فتحية للأزهر الشريف ولجهود من يعملون من خلاله لإعلاء أعظم قيم الإنسانية جميعا.

أحلم بمناعة دماغية

بقلم/ د. إيمان عصفور

أحلم بمناعة دماغية ضد الأدران البشرية..

وبقايا السوس الناخر فى خلايا القلب العصبية..
احلم بخلو العالم من مرض الكذب المتفشى فى نسيج النفس البشرية..
احلم بهزة أرضية تطمس جدران نفوس مغرورة.. تمحى شرور الحقد.. تهدم قلاع الكره..
احلم بصحوة خلقية.. تحمى رموز الطهر.. تنشر عبير الأمن فى نفوس صافية وردية..
أهفو لسمو الروح.. فى ظل عوالم مادية..
أرنو لشعاع الفجر.. لينير قلوب متعبة.. أنهكها الهم.. ظلت لسنييييييين منسية..
أثق فى عدالة رب الخلق.. فى منح جوائز سماوية.. لكل صبور منتظر هذه المنح الإلهية.

أيها المهم

د. عصام الشاذلي

انت…. أيوه.. إنت يا برنس..
يا مهم إنت يا أبو نضارة وبدلة وعربية
بس رد عليا
مش إنت لاعيب بردوا
لا لا إنت شكلك فنان ممثل.. آه
مش إنت بتظهر فى الإعلانات
والاحتفالات
وفى المآتم ساعات
وأحياناً فى الاعتقالات
مش حضرتك بردوا… ولا…
أيوه أنت فى البنك محاسب
لا إنت فى المستشفى طبيب
لا لا شكلك فى منصب عالى..
إنت يا برنس أيوه إنت يا مهم إنت يا أبو نضارة لايقة عليك يا حلو يا أسمر يا.. يا.. مش إنت بردوا من هنا
لا لا شكلك والله اسكندرانى لا ملامحك بتقول أسوانى لا محلاوى
يا راجل مش تقولى إنت دقهلاوى لا ممكن تكون جيزاوى
إنت أيوه
بقولك ممكن آخد معاك سيلفى
معلهش عشان خاطرى
وابقى يا عم بالفيتوشوب احذفنى
أو حلينى وعدلنى
أيوه بقولك.. مفيش شغلانه جنبك.. هواية مثلا
أو ممكن شيالة.. طب سكرتيرة أيوه..
إنت يا برنس.. يا مهم إنت يا ابو نضارة وبدلة وعربية
بس رد عليا
يا مهم إنت يا أبو نضارة وبدلة وعربية

لن أكون معك

داليا إياد

لن أكون معك
فما عادت كلماتك تغريني
وما عدت أنت تعنيني
فكيانك لن يحييني
ولا روحك باتت تؤويني
فأنت أردت أن تؤذيني
فأبتعد عني فلا أريدك
أن تحتويني
سأحتضن حصار النسيان
ولا أريده فقط أن يبكيني
فقد خسرت الرهان مع قلبي
بأنك تستطيع أن تلاقيني

الألكسيثميا وعلاقتها بالعنف لدى بعض التلاميذ في فصولنا الدراسية

بقلم الدكتورة/ فايزة الحسينى

أستاذ المناهج وطرق التدريس- كلية البنات- جامعة عين شمس

الألكسيثميا Alexithymia هي عدم القدرة على التعبير عن المشاعر والأحاسيس للآخرين بسبب غياب الكلمات المناسبة لوصف تلك المشاعر ، بالرغم من عدم وجود أي اضطراب في الجهاز الصوتي أو حاسة السمع مما يجعل الفرد غير قادر على اتخاذ القرارات المصيرية، وعدم القدرة على فهم وضبط الذات وتحمل الضغوط ، مما يجعل التلميذ حاد الطباع عنيفا مع الآخرين نتيجة ضعف قدرته على التواصل الانفعالي والاجتماعي معهم، ومن ثم يزداد الشك والغيرة والكراهية والعناد تجاه المحيطين بهم ، مما يعرضهم لمخاطر الانحراف الفكري والسلوكي ، إذا لم يتوافر لهم الاهتمام والرعاية الكافية من قبل الأسرة والمدرسة .
ويمكن للمعلم وولى الأمر اكتشاف التلاميذ ذوي الألكسيثميا من خلال ملاحظة سلوكياتهم فهم لايمتلكون القدرة على تحديد المشاعر والتمييز بينها من فرح ، حزن…الخ ، ولا يستطيعون التعبير عنها لفظيا، ولديهم خلل في العمليات التصويرية، وغير قادرين على التخيل، وتفكيرهم تقليدي ومحدود ، وقليلو التعاطف والتعلق بمن حولهم ، ونتقصهم روح المرح والدعابة ، وليس لديهم الرغبة في عرض أفكارهم أمام زملائهم ، ولديهم صعوبة في كتابة الكلمات الدالة على مشاعرهم ،ويفضلون العمل الفردي والميل للوحدة والعزلة ، وضعف القدرة على تكوين الصداقات وسرعة الغضب والانفعال ، ولديهم ميول عدوانية وتخريبية ، مما يعوق عملية التعلم نتيجة عدم الثقة بالنفس وانخفاض الدافعية لانجاز المهام الدراسية. وبالتالي فينبغي على الاسرة والمدرسة التعاون معاً في اكتشاف تلك الحالات ورعايتها بطريقة علمية وانسانية وتقديم الدعم والتوجيه لهم فهم في حاجة الى العطف والحنان وتقديم برامج إرشادية لخفض الالكسيثيميا لدى التلاميذ والتركيز على دور التنشئة الاجتماعية والنفسية للأطفال فقد ينتقل سلوك الالكسيثميا من خلال الآباء الذين يعانون صعوبات في تنظيم مشاعرهم ومن ثم يكونون غير قادرين على تعليم أبنائهم أساليب التعبير عن مشاعرهم ، أو ربما تكون بمثابة ميكانيزم دفاعي يستخدمه التلميذ لحماية نفسه من الانفعالات الشديدة المرتبطة بالخبرات المؤلمة خلال مرحلة الطفولة ،ولذلك أري ضرورة توفير متخصصين في الصحة النفسية بالمدارس لمساعدة المعلم والاسرة على اكتشاف الألكسيثميا في وقت مبكر والتعامل معها لتجنب أثارها السلبية على التلاميذ والمجتمع ، وعقد ورش عمل ودورات لمساعدة المعلمين على اكتشاف التلاميذ ذوي الالكسيثميا وتدريبهم على استراتيجيات تدريس تخفض الالكسيثميا مثل الدراما، المناقشة والحوار ، العصف الذهني ،القدوة ، التعلم التعاوني ، التخيل …وغيرها وكيفية تقديم التعزيز والتغذية الراجعة المستمرة للتلاميذ ، كما أقترح تضمين المناهج الدراسية أنشطة تعليمية وإثرائية تساعد المعلم على إعطاء الفرصة للتلاميذ للتعبير عن أرائهم وتنمية مهارات الحوار والتخيل والمهارات الحياتية والتكنولوجية لديهم مما يخفض من الالكسيثيما لديهم ويجنب الوطن الغالي الكثير من المخاطر .

مستقبل الواقع العربى فى الدراسات الغربية

بقلم/ د. عصام الشاذلي

مما لا شك فيه أن العدو يراقب قبل الصديق، ويرصُد العدو ويُجرى دراسات يُشير العديد منها إلى أن أوطاننا العربية تواجه تحديات جمَّة، بما يجعل التعاون هو مفتاح كل تلك المشكلات، وأن الحل دوماً سيكون إقليمياً، ولم يعُد محلياً أو دولياً، نظراً لطبيعة هذه التهديدات. نعم كثيرة هى الدراسات التى تناولت المنطقة العربية أو الشرق أوسطية منذ أحداث 25 يناير 2011م بمصر وما قبلها وما بعدها لما لهذه المنطقة المحورية من تأثير فى مجريات الأحداث العالمية. وإذا كان للمنطقة أهمية خاصة واستثنائية، فإن خصوصية مصر أعظم وأشد .وقد كشفت وثيقة أمريكية مُسربة من البيت الأبيض معلومات خطيرة عن مصر، حيث رسمت الوثيقة سياسة واشنطن حول مناطق الصراع والاهتمام بالنسبة لها في العالم. واختصت آخر دراسة متخصصة تم تقديمها للإدارة الأمريكية، حول شكل القوى العالمية في 2020 العام القادم، وتم تصنيف الدول فيها إلى دول آسيا، وأمريكا الجنوبية، الدول الأوروبية بدون روسيا، إفريقيا بدون مصر، الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بدون مصر؟ روسيا، وما يوضح أهمية دور مصر لصانع القرار الأمريكي ليتم على أساسها تحديد إستراتيجيتها وسياستها. قيامها بعمل دراسة عن مصر كعنصر بحثى مستقل عن الاتجاهات الاستراتيجية الأخرى ، هذا وقد أظهرت الدراسة أن إنتاج مصر من حقول الغاز الجديدة في 2020، سيسمح للقاهرة بإقامة خط لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا من خلال قبرص واليونان. وأكدت الدراسة، تحديث مصر لقوتها العسكرية وتطويرها، منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد وزارة الدفاع، وهو ما يوضح أن تلك المهمة ستكتمل في 2020، ويؤكد خروج مصر من العباءة العسكرية الأمريكية، ويظهر أن تزايد قوة القاهرة السياسية، يمهد لها الطريق كي تصبح من أكثر الدول نفوذاً، وهو ما اعتبرته الدراسة تغييرا في موازين القوى في الشرق الأوسط. وتُشير دراسة أخرى أجراها معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية”EUISS) بعنوان “مستقبل العرب.. ثلاثة سيناريوهات لعام 2025م ، تُعد خلاصة عدة جلسات ضمت خبراء، حررها فلورانس غاب كبير محللين في معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية، والكسندرا لبن مساعد باحث في الجمعية البرلمانية للناتو في بروكسل.السيناريو الأول: الاضطراب العربي The Arab Simmer يشير إلى أن الدول العربية ستواجه في عام 2025 تحديات متعلقة بالبطالة والمشاركة السياسية، فضلاً عن تمدد تهديد الإرهاب. وإن البطالة التى يعاني منها غالبية الشباب، والتي كانت محركاً أساسياً للتوترات الأخيرة بالعالم العربى، سترتفع بشكل أكبر عام 2025، إذ تقف نسبة البطالة حالياً عند 30٪ نتيجة عدم قدرة أسواق العمل على استيعاب العمالة خصوصاً الحاصلين على مؤهلات عليا. وعلى صعيد إيجابي، سيسهم خطر الإرهاب في توحيد الدول العربية لمواجهته وبخاصة السعودية ومصر. السيناريو الثانى: الانهيار العربى The Arab Implosion حيث يفترض تراجع العالم العربي بسبب ظهور تنظيم داعش عام 2014، والذي أدخل الإقليم في اضطراب كبير جعل الدول العربية تُرسِّخ كل إمكانياتها لمحاربته، وإهمال تحقيق إصلاحات اقتصادية من شأنها خلق فرص عمل جديدة وتحقيق تنمية، حيث سيؤدي تأجيل الإصلاح إلى تآكل نمو الاقتصادات العربية وشل حركتها لأسباب منها الغلاء وعدم الاستقرار، ورفع الدعم، وسترتفع البطالة بشكل كارثي وستتحول ليبيا إلى منطقة كبيرة غير محكومة، حيث ستعمل فيها الشبكات الإجرامية والتنظيمات الإرهابية بحرية تامة، مما سيؤثر سلباً على جيرانها. كما ستبدأ تلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية في إنشاء هياكل للبنية التحتية الخاصة بها، فيما ستركز جماعات أخرى على عمليات الخطف ومبيعات الأسلحة. وبالنسبة للجزائر، فإن اقتصادها لن يصبح قادراً على مواجهة التحديات المتزايدة، فضلاً عن عدم توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين. كما أن الصراع فى سوريا ربما تمتد آثاره لـ 15 سنة قادمة. السيناريو الثالث: يفترض أن الطفرة العربيةThe Arab Leap ستصاحب تعافى اقتصاد الإتحاد الأوربى وستصبح نقطة تحول رئيسي في هذا الأمر، حيث إن تطبيق اتفاقية التجارة العربية الحرة مقروناً بتخفيض 5٪ في وسائل المواصلات، إلى جانب إحلال 20٪ من العمالة العربية في دول الخليج بدلاً من الأجنبية، سوف يساهم في إحداث تحول هام في الاقتصادات العربية. وطبقاً لهذا السيناريو، فسوف تنخفض البطالة في مصر بين العمالة الماهرة بنسبة 8٪، وفي المغرب بنسبة 7.2٪، وفي تونس بنسبة 6.9٪. كما سترتفع معدلات الناتج المحلي الإجمالي في جميع الدول العربية، ولاسيما في مصر إلى 6.2٪، وتونس بنسبة 4.2٪. وبالإضافة إلى هذا التكامل والنمو الاقتصادي، فإن قيام الدول العربية – وبالتحديد مصر – بعمل إصلاحات هامة في مجال التعليم سوف يؤدى لانخفاض مستدام في معدلات البطالة وبحلول عام 2025 سيصل الإقليم إلى طفرة غير مسبوقة، سواء من حيث مواجهة البطالة أو مكافحة الإرهاب. كما ستقدم بعض الدول عدداً من المبادرات لحل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها دول المنطقة، وستساهم تلك التنمية الاقتصادية في تقليل أعداد المنتمين للتنظيمات الإرهابية، ومحاصرة الإرهاب بشكل يحول المشكلة من تهديد استراتيجي لأمن الدول إلى مجرد مشكلة “مزعجة”، وذلك بالتزامن مع السياسات العربية المشتركة في مكافحة الإرهاب، والتي ستثبت فعاليتها في تقويض هذا الخطر، بل وستزيد من ثقة العرب في بعضهم البعض. وفي عام 2025 من المتوقع أن تؤسس الدول العربية قوات حفظ سلام خاصة بها تكون تابعة لجامعة الدول العربية. وبشكل عام، فالاضطراب السياسي داخل الإقليم سيظل حاضراً وستنخرط بعض تيارات الإسلام السياسي في العملية السياسية حتى لو تحت مُسميات جديدة، لكن بأفكار أكثر انفتاحاً فيما يتعلق بحقوق الإنسان والمساواة وغيرها. وعلى صعيد متصل، وفي عام 2025 ستكون إيران قد أنهت برنامجها النووي، وبمرور الوقت وبوساطة الأمم المتحدة ستؤدي إجراءات بناء الثقة إلى تحسين الأوضاع وتوفيقها بين إيران ودول الخليج هذه صورة للحال العربى فى السنوات القلائل القادمة ، أنا شخصياً لا أثق فى تصوراتهم لأنها فى الغالب تكون مُغرضة.

محو الأمية القانونية مدخلا لتمكين المرأة المصرية مجتمعيا

 

بقلم/ د. جمال على الدهشان

أستاذ أصول التربية، عميد كلية التربية- جامعة المنوفية، رئيس مجلس إدارة مركز تعليم الكبار بالجامعة

مشكلة الأمية من المشكلات التى ينبغي أن تكون جديرة بالاهتمام بسبب زيادة حجمها كما وكيفا، ونظرا لما ينتج عنها من مشكلات أخرى ، وما يترتب عليها من مخاطر قد تكون قريبة المدى أو بعيدة. فالأمية مشكلة تحول بين الإنسان والحياة، وتجعله لا يبرح مكانه تفكيراً وتغييراً وتنمية، ووجداناً. فكما العين مادتها البصر، والأذن مادتها السمع، واللسان مادته الذوق، فكذلك العقل مادته الوعى والتنور Literacy.
وإذا كانت الأمية تعنى مؤنث الأمى، وهى لغة تغنى الغفلة او الجهالة، أو ” انخفاض مستوى معرفة الفرد فى مجال معين عن المستوى الممكن موضوعياً والمطلوب اجتماعياً والمرغوب فردياً، فانه وفى ظل ما تشهده المجتمعات المعاصرة من متغيرات عديدة وتحديات واضحة، تغير مفهوم الامية ومحوها وتعددت آفاقه ومجالاته وامتدت لتشمل جميع مجالات الحياة متجاوزا المهارات الأساسية فى القراءة والكتابة والحساب إلى المستوى الذى يؤهله لمتابعة الدراسة والتدريب ، ليشمل الى جانب محو الامية الابجدية ما اطلق عليه ، محو الامية الوظيفية ، محو الامية البيئية ، محو الامية الاسرية ، محو الامية الصحة ، محو الامية الوجدانية ، محو الامية المعلوماتية ، محوالامية الدوائية ، محو الامية القانونية .. وغيرها .
انطلاقا من أهمية القانون باعتباره أساساً في تنظيم كافة العلاقات الشخصية والمجتمعية ،واهمية التشريعات القانونية ، ودورها في تنظيم علاقات وأداءات الأفراد في المجتمع ، فان الأمر يتطلب ضرورة أن يكون كل فرد في المجتمع على دراية بها، وليس أحوج في هذا من المراة .
فالقانون يلعب دورا رئيسا في تنظيم العلاقات داخل المجتمع، كما أنه يعد حامى حمى القيم والحقوق بين الأفراد في المجتمعات المختلفة، فهو يدخل في كل أمور حياتنا اليومية وبشكل دائم ومستمر ، كما انه يعدمن أهم وسائل الضبط الاجتماعي، بل هو الوسيلة الأساسية، التي يعتمد عليها المجتمع المنظّم في ضبط سلوك أفراده،فالمواطن والمراة بصفة خاصة تواجه بمتطلبات قانونية عديدة عند ممارسة حياتها اليومية تتدرج من مجرد عمل شهادة ميلاد لابنه ، أو جرد ممتلكات ميراث لوالديه أو ضرورة لإرسال أبنائه إلى المدرسة في سن الإلزام اوالحصول على ترقياتها وغيرها من الأمور التي تؤكد أن القانون يتداخل في حياتنا اليومية وبصورة فعلية، فلا تستقيم ولا تزدهر امة دون قوانين ونظم تحدد العلاقات بين الاقراد والمؤسسات وتوضح الحقوق والواجبات واسس المعاملات ، وينبغى على الانسان ان يعرف قدرا مناسبا من القوانين التى يتاثر بها فى حياته والتى تحكم سلوكيلته وتصرفاته فالجها بالقانون لايعفى من تطبيقه .
والمطلع على واقع المجتمع المصرى يلحظ ضعفا عاما فى مستوى وعى المراة المصرية بالمعلومات والمعارف المتعلقة بحقوقها الشرعية والقانونية ومسئولياتها الى درجة وصف البعض لتلك الظاهرة بالامية القانونية ، متمثلة فى الجهل بالقانون وعدم معرفة أبجدياته وآلية التعامل معه وتوظيفه لإنهاء مصالحنا، الأمر الذي يمكن أن يؤدى الى وقوعها في بعض الأخطاء أثناء القيام بدورها وممارسة أعمالها و إهدار لبعض الحقوق الخاصة بها وبعملها ، الامر الذى يتطلب ضرورة توعيتهن بحقوقهن وواجباته المهنية حتىتستطيع أن تأمن على حياتها ومستقبلها في مهنتها (محو الامية القانونية ).
ان جهل الافراد – والمراة بصفة خاصة- بالقانون وعدم معرفتهم أبجدياته وآلية التعامل معه وتوظيفه لإنهاء مصالحهم ، يؤدى فى الغالب تهضم حقوقهم وتعقد معاملاتهم ويجعلهم يقعون في الخطأ بسبب الجهل بالقانون، فالقوانين هي الأساس الذي يرتكز عليه تنظيم مجتمع قائم على مصالح شخصية واقتصادية وتنافسية ومتشابكة أحيانا، وحينما يكون هنالك تصادم بين هذه المصالح بسبب الجهل بالقانون أوتجاهله تحدث فوضى وخلل بالمجتمع! فجهل الناس بكثير من القواعد القانونية والأنظمة المعمول بها بُحجج عديدة، يُعرّض كثيرين لمواقف سيئة وضياع للحقوق، وهذا يجعل السعي لمحو الأمية القانونية ضرورة وليس ترفا زائدا.
فى هذا الاطار اظهرت نتائج احدى الدراسات بشكل جلي أهمية الوعي القانوني للنساء بالقوانين والتشريعات من اجل تمكين ووصول النساء المهمشات إلي العدالة حيث أكد عدد كبير من النساء المهمشات في شرق غزة – علي على سبيل المثال – أن جهلهن وعدم درايتهم بنصوص القانون وأحكامه سبب رئيسي في عدم حصولهن علي حقوقهن المنصوص عليها في القوانين والتشريعات وهو ما عزز لديهن بالاعتقاد أن الوعي القانوني يؤدي إلي وصولهن إلي العدالة وتمكينهن من الدفاع عن حقوقهن وحرياتهن .
واذا كنا نتناول قضية تنمية الوعي القانوني للمراة( محو الامية القانونية) ، فينبغي ان لا نغفل ان المراة جزء من المجتمع ، وهي مرآة لواقع ذلك المجتمع ، ويعني ذلك ضرورة طرح قضايا المراة في هذا المنظور الواسع الأشمل ، فالرجل ينخفض وعيه بحقوقه القانونية وهو يحتاج الى تنمية هذا الوعي ، الا انه من المؤكد ان المراة تعاني اكثر من المثل هذا القصور لعدة اعتبارات تتعلق بالثقافة والتعليم واعتبارات اخرى اقتصادية واجتماعية وان قضية الوعي القانوني للمراة يختلف باختلاف الشرائح التعليمية والاجتماعية للمراة المتعلمة ، هي الاكثر وعيا بحقوقها نسبياً عن المراة غير المتعلمة كما ان وعي المراة غير العاملة يختلف عن وعي ربة البيت وهناك متغيرات ثقافية واجتماعية واقتصادية تؤثر على مستوى الوعي القانوني للمراة وتتمثل هذه التغيرات في مستوى التعليم والدخل والثقافة واخيراً فأن الوعي القانوني للمراة لا يقتصر على مجرد إدراكها لحقوقها القانونية في مجال الاحوال الشخصية بل يمتد الى مجالات اخرى مثل العمل والتأمينات الاجتماعية.
ان الدعوة الى محو الامية القانونية للمراة المصرية تأتي في مرحلة زمنية هامة لتواكب اهتمامات واحتياجات المرأة من حيث التوعية بالتشريعات والقوانين التي تمس جوانب حياتها المختلفة الشخصية العملية في ظل الحاجة الماسة الى زيادة الوعي وتعزيز المشاركة في مختلف جوانب الحياة العامة ، وصولا الى ادوار جديدة تستثمر الطاقات والقدرات النسائية وتوظفها لخدمة العملية التنموية بشكل عام ، وتسهم بدرجة كبيرة فى تمكينها فى المجتمع ، وتدعيم دورها الفاعل فيه ، وتمكنهم من الحكم على الواقع الذى يعيشونه بمنظور قانونى واضح.
كما تأتى هذه الدعوة فى وقت اصبحت فيه المرأة جزءا حيويا مهما في المجتمع وتملك زمام العديد من المناصب والأماكن المهمة وتقوم بالعديد من الأدوار غير دور الأمومة المعهود لها والمتعارف بحصرها عليه وعلى القيام ببيت الزوجية ، ففي ظل تلك المتغيرات الحياتية المتسارعة سواء الاجتماعي منها أو العملي والاقتصادي، صارت المحاكم ترصد تزايدا كبيرا في القضايا النسائية بشتى أنواعها، فترتادها المرأة كمدع أو مدعى عليها. ومع ضعف الوعي القانوني عند المرأة وتواضع الثقافة القانونية لديها ما يؤدي إلى التعامل السلبي مع القضايا بما يفوت عليها الكثير من حقوقها الثابتة ومصالحها أثناء التقاضي ، كما ان ذلك يُساعد المماطلين في المماطلة أكثر، وعدم الوفاء بالالتزامات الواجبة عليهم؛ والسبب في ذلك أن صاحب الحق لم يعمل بكافة الأسباب لِحفظ حقه بالكامل، فكان من بداية المعاملة مُتنازلاً عن حقه.
فمحو الامية القانونية او التنور القانونى يعد أحد الروافد المهمة التي تقوي الشخصية الإنسانية، وتجعل منها ذاتاً قادرة على مواجهة معترك الحياة، بغير جهل لما له منها وما عليه فيها، فمعرفة المراة لما لها من حقوق، وما عليها من واجبات، ووعيها لحدود مسؤولياتها الفردية، والعلاقة القانونية بينها وبين غيرها ، وبينها وبين الدولة، تساعد على ترسيخ احترام القانون والانصياع لسلطانه، باعتباره الضمانة الرئيسة لحفظ الأمن والحقوق، والأرواح والممتلكات، والأساس في تحقيق التنمية والاستقرار، ولا شك أن احترام القانون وإعلاءه فوق كل اعتبار يساعد في القضاء على الممارسات والسلوكيات السلبية، ويعزز الشعور العام بالعدالة في المجتمع، ويحفظ الأمن المجتمعي الشامل، ويتصدى لأية مظاهر سلوكية لا تعبر عن المظهر الحضاري للدولة.
من ناحية أخرى، وإذا كنا نعيش فى العصر الرقمى، فإن مصادر حصول الافراد على المعلومات القانونية لم تعد تقتصر على المصادر التقليدية الورقية، بل امتدت ايضا الى المصادر الالكترونية ، حيث أصبحت المواقع الإلكترونية، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي، احد المصادر الأساسية للمعرفة القانونية بالنسبة للأشخاص الرقميي، الامر الذى يمكن ان يؤدى فى بعض الاحيان الى وجود شكل اخر من اشكال الامية القانونية ، او الجهل بالمعلومات القانوية الصحيحة ، فأغلب المعلومات المنشورة على الكثير من المواقع الإلكترونية غير صحيحة أو غير معروفة المصدر، كما أن بعض الأشخاص الذين يقدمون الاستشارات القانونية الإلكترونية ليس لديهم الخبرة، أو المعرفة الكافية، فيقدمون إلى الأشخاص الرقميين معلومات واستشارات غير صحيحة، تُسبب لهم مشكلات كثيرة، وتُلحق بهم أضراراً كبيرة، هذا فضلاً عن أن بعض أولئك الذين يتبرعون بتقديم استشارات قانونية مجانية، أو ينشرون معلومات قانونية، قد يكون هدفهم الشهرة أو جلب موكلين.
ولا يخفى على أحد ما يترتب على نشر معلومات قانونية غير صحيحة، أو تقديم استشارات قانونية غير دقيقة، من ضياع للحقوق، واضطراب للمراكز القانونية في المجتمع، فتشيع الفوضى، وتتأثر العدالة، وتتزعزع ثقة الأفراد في القانون، وفي مؤسسات الدولة، وتضطرب العلاقات، ويكون الشك وعدم الثقة هما سيدا الموقف ، الامر الذى يتطلب ضرورة ان تتبنى الدولة هذا الأمر، فتوفر عبر مؤسساتها العامة بوابات إلكترونية، تختص بنشر الوعي القانوني، وتقديم الاستشارات القانونية، وفي المقابل يجب على الأشخاص الرقميين، أن يتحروا الدقة في اختيار المواقع الإلكترونية، التي يستقوا منها معلوماتهم القانونية، أو التي يطلبون مشورتها في مشاكلهم القانونية، وأن يكتفوا في ذلك بما توفره الدولة خلال مؤسساتها العامة، والجهات المرخص لها في هذا المجال.
فى ظل كل ذلك الامر يتطلب الامر ضرورة العمل علي تعزيز الثقافة المعرفية لدي النساء بالقوانين والتشريعات التي تمكنهن من معرفة حقوقهن وحرياتهن وتبسيط النصوص القانونية وتيسير الوصول إليها وفهمها بشكل جيد وبلورتها في شكل مألوف ومناسب لكل شرائح المجتمع وخاصة النساء غير المتعلمات اللواتي يجدن صعوبة في قراءة وفهم النصوص القانونية وأحكامها .

الاستغفار وتطهير النفس

بقلم/ د. ناهد الخراشي

جعل الله سبحانه وتعالي الإستغفار من أعظم أبواب الفرج إذ أنه من أسباب تيسير الرزق ، وفيه تكفير للذنوب، وتفريج للكروب. (قال صلي الله عليه وسلم: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب) (رواه ابو داوود والترمذي والنسائي) ومن أهم فوائد وفضائل الإستغفار أنه سبيل من سبل النجاة اذ أنه نور يضيء سبيل العناية الإلهية والفوز العظيم.

والإستغفار قانون إلهي.. اختص الله به نفسه وأوجده ملازما لعمل الإنسان في الأرض.. فحين يهييء الله للإنسان عملا صالحا فهو بذلك يغفر له ، ومن هنا ندرك أن المغفرة هي أن يكون الإنسان قائما في عمل صالح يغسل به جميع ظلماته ويتطهر به من سيئات أعماله.

ومن يتأمل في معني الاستغفار يجد أن قانون التطهر قانون أساسي يساعد علي نمو الوعي الروحي للإنسان وتطوير إحساسه بكل ما يفعل في هذه الحياة من خلال فكره وعقله وجوارحه فيتحول الإستغفار إلي منهج دائم للإنسان، وليس مجرد التطهر من ذنب بعينه.

والإستغفار الدائم يحرر الإنسان من الكبر والغرور والتسلط وحب السيطرة وجميع الآفات النفسية والسلوكيات التي لا تجذب إلا القلق واليأس والحزن والكآبة وتطرد من أمامك الخير والجمال.
إن الاستغفار قانون لا نستطيع الاستغناء عنه ، وجعله الله لنا رحمة كبري لنا ليتوب علينا ويغفر لنا سبحانه وتعالي أنه هو الغفور الرحيم.
ونحن دائما في حاجة دائمة لأن نتذكر فإن الذكري تنفع المؤمنين إذ نعود إلي قصة آدم عليه السلام حيث علمه الله عز وجل كلمات ليتوب عليه ، وفي قصة يونس عليه السلام إذ أرشدنا الله سبحانه وتعالي أن الاستغفار كان سببا في نجاة يونس من بطن الحوت، وكانت إشارة لنجاة المؤمنين من خلال الاستغفار.

فحينما تستغفر الله تنتقل إلي قمة العبودية لله ، وتحيا النفس في مظلة التطهر والرحمة الإلهية. فالإستغفار قوة روحية وتطهير للنفس وقيادة لتحيا حياة الأمن والسلام.
وعلينا أن ندرك بأننا باستغفارنا لله نأخذ قوة تعيننا علي أن نصحح طريقنا، ونصوب وجهتنا ، ونقوم سلوكنا، ونهذب أخلاقنا فتكون كل معاملاتنا مع الله .. فإن أخطأنا استغفرنا ورجعنا وحمدنا الله أن كشف لنا خطأنا.

فاجعل قيامك بين الحمد والاستغفار الدائم تحيا حياة آمنة مطمئنة ، وكل عمل نافع يسعي إليك هو عفو ومغفرة من الله الكريم.

الصراع بين العقل والقلب

 

بقلم/ أفراح رامز عطية

باحثة ماجستير فى التربية المقارنة والإدارة التعليمية- جامعة الساداتب

كارثة أن يجتمع عقل ناضج وقلب عاطفي في جسد واحد”.. هكذا وصفها نزار القباني بأنها الكارثة لأنها تستحق هذا الوصف، ولو أعطاني فرصة التعبير عن هذهِ الحالة، فقد أصفها بالفاجعة أو الطامة، التي تجعل الإنسان يمشي بلا وعي ولا إحساس أو حتى إدراك، تجعله يحترق من داخله. قد تسأل أو تتساءل لماذا؟ ببساطة لأنه إنسان عقله يفكر، وقلبه ينبض، وما أصعبهما من شعورين مختلفين وكأنهم صراع، كل منها يمسك بيده سلاحا فتاكا قد يؤدي إلى قتل كل منهما الآخر تزامنا مع قتل الجسد.
ولكن في هذه الحالة، كان لا بد أن يتدخل القدر، لأن بين القلب والعقل صراعا لا يفك عقدته إلا القدر، وكأن القدر الحكم الفاصل بينهما، إما إن ينتصر أحدهما على الآخر، وأن يقودهما في المسار نفسه، وكأنه يقول لهما لا تتخاصما لأنكما في الطريق نفسها.
ما أروع هذا الشعور وما أجمل الطمأنينة عندما يكون العقل والقلب في نفس المسار نفسه، عندها ستشعر بالنجاح والانتصار.
لأنه وببساطة إذا لم يكن كذلك، فستشعر بخيبة أمل فظيعة وكأنك كنت تركض خلف سراب، قلبك يريده، ويقول لك أسرع أسرع، ها هو أمامك، ولكن عقلك يقول لك “استيقظ من وهمك، لن تحصل عليه، التفت إلى أمورك، التفت إلى حياتك، العمر يجري بسرعة كجري المياه لا تقف وتنتظر شيئا، وأنت تعلم أنه لن يحصل، هيا التفت إلى أمورك وابدأ من جديد، وكأنك ولدت في هذه اللحظة ولم يطرأ على بالك هذا الأمر”. وهنا، ستشعر وكأنك طفل أضاع حضن أمه، ولا يستطيع أن يرده، فيصبح يبكي بحرقة شديدة ، ويشعر بأن العالم بأسره قد انتهى.
ولكننا لسنا أطفالا صغارا، بل نحن أشخاص واعون ومدركون لما حولنا، وعقولنا ناضجة، ولهذا يتوجب علينا أن نتقبل الموضوع بابتسامة بسيطة، ونجبر خواطرنا بأنفسنا، ونحن ننظر إلى السماء، حتى لا تسقط دموعنا، أو لا يراها أحد، ويشفق علينا، ونردد بين أنفسنا: “الخيرة فيما اختاره الله”.
وتفاجأ مع مواساتك لنفسك بيد تربت على كتفك وتواسيك، وتقول لك: “ما أصعب أن تبقى حائرا ما بين قلبك، وعقلك، وضميرك، إلى أن يمر العمر، لا العقل يقنعك، ولا القلب ينصفك، ولا ضميرك يريحك! ولكن رب العالمين يقول “فاصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا”.

خلق الله الإنسان وميزه بهذا العقل الذي به يدرك حقائق الأشياء، ويوازن بين الخير والشر، والحق والباطل، وبهذا العقل ميز الله الإنسان عن غيره من الكائنات بأن جعله عاقلا يفكر ويفهم ما يحدث حوله. ومع أهمية العقل، فإن الله أنعم على الإنسان أيضا بنعمة القلب الذي بدونه العقل كتلة جامدة، لأن القلب هو مصدر المشاعر والأحاسيس التي يحاول الإنسان جاهدا أن يوازن بينهما، فلا يطغى جانب على آخر. وهكذا، يكون هذا الإنسان قد حقق تكيفه مع الأشياء بالصورة الصحيحة السليمة.
الفرق بين العقل والقلب
إن الفروق بين العقل والقلب كثيرة وواضحة، فكما ذكرت، فالعقل هو أداة الإنسان التي بها يعقل ويدرك، وهو القوة التي تساعده على أن يميز ويستنبط العلاقات والترابطات، وأسلوب حل المشكلات بصورة سريعة ودقيقة، كذلك إدراك أوجه الشبه والاختلاف بين الظواهر المختلفة، أضف لذلك الطلاقة اللغوية، والأساليب المبتكرة والاختراعات، كل ذلك وأكثر، وقادر أيضا على فهم ما يجري، وما يحدث من حوله دون مساعدة من أحد. وكلما كان الإنسان أكثر قدرة على ذلك، كان مستوى ذكائه وقدرته العقلية أعلى وأكبر، ولذلك نجد أن العباقرة مُيزوا بما تفضل الله عليهم به من قدرة عقلية عالية تساعدهم وتمكنهم من استخدامها بسهولة وفي جميع الاتجاهات، كذلك نجد من يتصفون بقدرات قليلة فيعجزون عن رؤية العالم من وجهة نظر الآخرين. ولذلك أيضا كله، نجد أن المرء إذا ذهب عقله، فإنه يُرفع عنه التكليف. وهنا، تكمن أهمية العقل، فهو القدرة التي تساعدنا على أن نكون أكثر إبداعا وتميزا، وأكثر نجاحا وخبرة. ومع هذا، فقد وجد العلماء أن الإنسان لا يستخدم من قدرته هذه سوى 10% ، وأنه لو استخدم 50% منها لتحول الكون إلى جنة. كما أنه وبالعقل، وصل الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى. فمن رأى الكون وما فيه من سماوات وأرض، فسيقوده ذلك إلى ربه، وكما قال آينشتاين: “من يتفكر بالكون، يدرك أن الخالق لا يلعب بالنرد”. ولأجل ذلك كله، كان العلماء أكثر الناس معرفة بربهم بعد الأنبياء. فالقلب هو الأداة التي بها نحس ونشعر، ومن خلالها نستشعر إنسانيتنا ونحسها.
وقد سمي بالقلب لما له من تقلب، وعدم بقائه على شيء معين، فهو ما بين ذلك وذاك كما تجري به الأمور والمواقف. لهذا كله، كان النبي، صلّى الله عليه وسلّم، يكثر في سجوده من قراءة :”اللهم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك”، نظراً لتقلبه كما أسلفت. ومما ذكر عن القلب ما روي عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيفما شاء. ولولا القلب، ما شعرنا بمتعة الحياة، فهو الذي به نحب ونكره. وهذا الوجود الذي بني على الجمال والكمال، وبديع الصنعة، وما أقامته شعائر الحب، ما كنا سندرك ذلك لولا هذا القلب الرقيق الذي ينبض بين ضلوعنا. كما أن القلب هو مصدر الإيمان والكفر واليقين، كما بينت ذلك الآية: “فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ”، حيث وجد العلماء أنّه يدرك من الأمور التي تتصل بالله والقرآن، بالإضافة إلى ما وجدوه في القلب من أن له ذاكرة تشبه ذاكرة الدماغ، لكنها أقل قدرة وحجما، تقوم بتخزين آيات القرآن الكريم فيها، كل منهما يؤازر الآخر. وقد وجد أن هناك تداخلا كبيرا في أعمال القلب والعقل، وإن كانت الفروق كبيرة بينهما، فكل منهما يكمل الآخر، فالعقل يختار ويدرك الموقف، ثم يقدم الدليل، فيستفتي القلب، فيقوم القلب بالنظر إليه من زاويته الخاصة، ثم بعد ذلك تصدر الأحكام، فلا تطغى العاطفة على العقل، ولا العقل على العاطفة، لأننا ونحن بهذا مُيزنا، فلا تنزل بنا العاطفة المحض إلى عالم الحيوانات، ولا يرتقي بنا العقل وحده إلى عالم الموجودات، فنؤمن فقط بما نراه، وننكر مالا نراه، كلا بل كلاهما يرتفع بدوره حتى يصلا معا إلى ما بعد المحسوس إلى عالم الغيبيات، والإيمان به، والاعتقاد دون أدنى شك.